+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4387

    Icon3 الزَّهْر العَطِر مِن فوائدِ قصَّة موسى والخَضِر - عليهما السَّلام

    بسـم الله الرَّحمـن الرَّحيـم

    الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

    قال العلاَّمـة ابنُ عُثيمين - رحمه الله - عند ختامِ تفسير قصَّة موسى والخَضِر - عليهمـا السَّلام - في سورة الكهف:

    (وقد ذكر شيخنا عبد الرَّحمن بن سعدي - رحمه الله تعالى - في تفسيره " تيسير الكريم الرَّحمن" فوائدَ جمَّة عظيمة في هذه القصَّة، لا تجدها في كتاب آخر؛ فينبغي لطالب العلم أن يراجعها؛ لأنَّها مفيدةٌ جداً).

    فأحببتُ في هذه الصَّفحة أنْ أنقلَ تلك الفوائد؛ راجيةً أن ينفع الله بها.

    قال العلاَّمة السَّعـديُّ - رحمه الله -:

    وفي هذه القصَّة العجيبة الجليلة، من الفوائد، والأحكام، والقواعد، شيءٌ كثير، ننبِّه على بعضه بعون الله.

    فمنها: فضيلةُ العلم، والرِّحلة في طلبه، وأنَّه أهمُّ الأُمور؛ فإنَّ موسى -عليه السَّلام - رحل مسافة طويلة، ولقي النَّصَب في طلبه، وترك القعود عند بني إسرائيل، لتعليمهم وإرشادهم، واختار السَّفر لزيادة العلم على ذلك.

    ومنها: البداءة بالأهمِّ فالأهمِّ؛ فإنَّ زيادة العلم وعلم الإنسان، أهمُّ من ترك ذلك، والاشتغال بالتعليم من دون تزوُّد من العلم، والجمع بين الأمرين أكمل.

    ومنها: جواز أخذ الخادم في الحضر والسَّفر؛ لكفاية المؤَن، وطلب الرَّاحة، كما فعل موسى.

    ويُتابع - رحمه الله - ذكرَ الفوائد في تلك القصَّة، فيقول:


    ومنها: أنَّ المسافر لطلبِ علم أو جهاد أو نحوه، إذا اقتضت المصلحة الإخبار بمطلبه، وأين يريده؛ فإنَّه أكمل مِن كَتْمه؛ فإنَّ في إظهاره فوائدَ من الاستعداد له عدَّته، وإتيان الأمر على بصيرة، وإظهارًا لشرفِ هذه العبادة الجليلة، كما قال موسى: {لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}، وكما أخبر النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم - أصحابه حين غزا تبوك بوجهه، مع أنَّ عادته التَّوْرِيةُ، وذلك تَبَعٌ للمَصلَحة.

    ومنها: إضافة الشرِّ وأسبابه إلى الشَّيطان، على وجه التَّسويل والتزيين، وإنْ كان الكلُّ بقضاء الله وقدَرِه؛ لقول فتى موسى: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}.

    وما زلنا مع تلكَ الفوائـد، في روضةٍ عيشُها أخضر، وهواؤهـا المِسكُ والعنبـر، وما زلنا نتفيَّـأ ظلالها، ولا نملُّ وِصالَها.


    ومنها: جواز إخبار الإنسان عمَّا هو من مقتضى طبيعة النَّفس، من نَصَب، أوجوع، أو عطش، إذا لم يكن على وجه التسخُّط، وكان صِدْقًا؛ لقول موسى: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا}.

    ومنها: استحباب كونِ خادمِ الإنسانِ ذكيًّا فطِنًا كيِّسًا؛ ليتمَّ له أمره الَّذي يُريدُه.

    ومنها: استحباب إطعامِ الإنسانِ خادمَه مِنْ مأكله، وأكلهما جميعًا؛ لأنَّ ظاهرَ قولِه: {ءاتِنَا غَدَاءَنا} إضافة إلى الجميع، أنَّه أكل هُو وهو جميعًا.

    ويُواصل الشَّيخ السَّعدي -رحمه الله- ذكرَ تلك الفوائد الحِسان، المُزدانة بفرائدِ اللؤلؤ والمرجان، فيقول:

    ومنها: أنَّ المعونةَ تَنـزِل على العبدِ على حَسَب قيامِه بالمأمور به، وأنَّ الموافِق لأمرِ الله يُعان ما لا يُعان غيرُه؛ لقوله: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا}، والإشارة: إلى السَّفر المجاوِز لِمَجْمَع البَحْرَيْنِ، وأمَّا الأوَّل؛ فلم يَشْتَكِ منه التَّعب، مع طوله؛ لأنَّه هو السَّفر على الحقيقة، وأمَّا الأخير؛ فالظَّاهر أنَّه بعض يومٍ؛ لأنهم فقدوا الحوتَ حتَّى أوَوْا إلى الصخرة؛ فالظَّاهر أنَّهم باتُوا عندها، ثمَّ ساروا مِن الغد، حتَّى إذا جاء وقت الغداء؛ قال موسى لفتاه: {ءاتِنَا غَدَاءَنا}؛ فحينئذ تذكر أنَّه نسيه في الموضع الَّذي إليه مُنتهى قصدِه.

    ومنها: أنَّ ذلك العبد الَّذي لَقِياه ليس نبيًّا، بل عبدًا صالحًا؛ لأنَّه وصفه بالعبوديَّة، وذكر منَّة اللهِ عليه بالرَّحمة والعلم، ولم يذكرْ رسالته ولا نبوَّته، ولو كان نبيًّا؛ لذَكَرَ ذلك، كما ذكر غيره. وأمَّا قوله في آخر القصَّة: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}؛ فإنه لا يدلُّ على أنَّه نبيٌّ، وإنَّما يدلُّ على الإلهام والتَّحديث، كما يكون لغير الأنبياء، كما قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}، {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا}.

    فقبل أنْ أستكمل الفوائدَ الَّتي بدأتُها؛ أحببتُ أنْ أشيرَ إلى أنَّ كونَ الخضر -عليه السَّلام- نبيًّا أو لا: أمرٌ مختلَفٌ فيه، وسأكتفي بإيرادِ كلام الحافظ ابن كثيرٍ -رحمه الله - في ذلك.

    قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله - في "قصص الأنبياء":
    "وقد اختُلِفَ في الخضر: اسمه، ونسبه، نُبُوَّته، وحياته إلى الآنَ على أقوال ".

    وقال -رحمه الله - في "تفسير القرآن العظيم"، عند تفسير قوله تعالى: {وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أمْرِي}:
    "وفيه دلالة لِمَنْ قال بنُبُوَّة الخضر -عليه السّلام-، مع ما تقدَّم مِن قوله: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}. وقال آخرون: كان رسولاً، وقيلَ: بل كانَ مَلَكًا، نقَلَه الماورديُّ في تفسيره، وذهَبَ كثيرونَ إلى أنَّه لَمْ يكُنْ نبِيًّا، بل كان وَلِيًّا، فالله أعلم".

    وقال في " قصص الأنبياء ":
    "وقصارى الخضر -عليه السَّلام- أنْ يكون نَبِيًّا، وهو الحقُّ، أو رسولاً كما قيل، أو مَلَكًا فيما ذُكِر".

    ثمَّ قال حين ترجَمَ للخضِر -عليه السَّلام-:
    "وقد دلَّ سياق القصَّة على نُبُوَّتِه مِن وُجوه:

    أحدِها: قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً}[الكهف:65].

    الثاني: قول موسى له: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً - قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا - وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً - قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً - قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً}[الكهف:66-70]؛ فلو كان وليًّا وليس بنبيٍّ؛ لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة، ولم يرُدَّ على موسى هذا الردَّ، بل موسى إنَّما سأل صحبته لينال ما عنده مِنَ العلم الَّذي اختصَّه الله به دونه؛ فلو كان غَيرَ نَبِيٍّ، لم يكن معصوماً، ولم تكن لموسى - وهو نبِيٌّ عظيم ورسول كريم واجب العصمة - كبيرُ رغبةٍ، ولا عظيم طلبة في علمِ وليٍّ غيرِ واجب العِصمة، ولَمَا عزم على الذَّهاب إليه والتَّفتيش عنه، ثمَّ لمَّا اجتمع به؛ تواضع له وعظَّمه، واتَّبعه في صورة مستفيدٍ منه، فدلَّ على أنه نبيٌّ مثله؛ يُوحى إليه كما يوحى إليه، وقد خُصَّ مِن العلوم اللدُنِّيَّة والأسرار النَّبويَّة بما لم يُطلعِ اللهُ عليه موسى الكليم، نبيّ بني إسرائيل الكريم.
    وقد احتج بهذا المسلك بعينه الرُّمانيُّ على نبوَّة الخضر -عليه السَّلام-.

    الثالث: أنَّ الخضر أقدَمَ على قتل ذلك الغلام، وما ذلك إلا للوحي إليه من الملك العلاَّم، وهذا دليل مستقلٌّ على نُبوَّته، وبرهان ظاهر على عِصمته؛ لأنَّ الوليَّ لا يجوز له الإقدام على قتل النُّفوس بمجرَّد ما يُلقى في خَلَده؛ لأنَّ خاطره ليس بواجب العصمة؛ إذ يجوز عليه الخطأ بالاتِّفاق، ولَمَّا أقَدَم الخضرُ على قتل ذلك الغلام الَّذي لم يبلغِ الحُلُم -علماً منه بأنَّه إذا بلغ يكفر، ويحمل أبويه على الكفر لشدَّة محبَّتهما له فيتابعانه عليه؛ ففي قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مُهجته؛ صيانةً لأبويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته- دلَّ ذلك على نُبوَّته، وأنَّه مؤيَّد من الله بعصمته.
    وقد رأيتُ الشَّيخ أبا الفرج بن الجوزي طرق هذا المسلك بعينه في الاحتجاج على نُبُوَّة الخضر وصحَّحه، وحكى الاحتجاج عليه الرُّمانيُّ -أيضاً-.

    الرَّابع: أنَّه لَمَّا فسَّر الخضر تأويل الأفاعيل لموسى، ووضَّح له عن حقيقة أمره وجلَّى؛ قال بعد ذلك كلِّه: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}[الكهف:82]؛ يعني: ما فعلته من تلقاء نفسي، بل أمرٌ أُمِرْت بِهِ، وأوحي إليَّ فيه.

    فدلَّت هذه الوجوه على نبوَّته، ولا ينافي ذلك حصول ولايته، بل ولا رسالته؛ كما قاله آخرون وأمَّا كونه ملكاً من الملائكة؛ فقول غريب جداً.

    وإذا ثَبَتَتْ نُبُوَّته - كما ذكرناه-؛ لم يبقَ لِمَنْ قال بولايته وأنَّ الولي قد يطَّلع على حقيقة الأمور دون أرباب الشَّرع الظاهر مستندٌ يستندون إليه، ولا معتمدٌ يعتمدون عليه" اهـ.

    والله الموفِّق، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله، وصحبِه، وسلَّم.‏

     
  2. #2
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4387

    افتراضي رد: الزَّهْر العَطِر مِن فوائدِ قصَّة موسى والخَضِر - عليهما السَّلام

    استكمال الفوائـد:

    ومنها: أنَّ العلم الَّذي يعلِّمه اللهُ لعباده نوعان: علمٌ مكتسبٌ يدركُه العبد بجدِّه واجتهاده، ونوع علم لَدُنِّي، يهبه الله لِمَنْ يَمُنُّ عليه من عباده لقوله: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}.

    ومنها: التأدُّب مع المعلِّم، وخطاب المتعلِّم إيَّاه ألطف خطاب؛ لقول موسى -عليه السلام-: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}؛ فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاوَرة، وأنَّك هلْ تأذن لي في ذلك أم لا، وإقراره بأنَّه يتعلَّم منه، بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو الكِبْر، الَّذي لا يُظهر للمعلِّم افتقارَه إلى عِلْمِه، بلْ يدَّعي أنَّه يتعاون هو وإيَّاه، بل ربَّما ظنَّ* أنَّه يعلِّم معلِّمَه، وهو جاهلٌ جدًّا؛ فالذلُّ للمعلِّم، وإظهار الحاجة إلى تعليمه؛ مِن أنفع شيءٍ للمتعلِّم.


    وما زلنا مع الزَّهر العاطر؛ ذي العبير الباهر، والمنظر الزَّاهر؛ الذَّي يُبهج الخاطر، ويسرُّ النَّاظر.

    يقول الشَّيخ -رحمه الله- مُتابعًا ذكر الفوائد:

    ومنها: تواضع الفاضل للتعلُّم مِمَّنْ دونه؛ فإنَّ موسى - بلا شكٍّ - أفضل مِنَ الخَضِر.

    ومِنها: تعلُّم العالم الفاضل للعلمِ الَّذي لم يتمهَّرْ فيه مِمَّنْ مهر فيه، وإنْ كان دونه في العلم بدرجات كثيرة؛ فإنَّ موسى -عليه السلام- مِن أولي العزم مِنَ المرسلين، الَّذين منحهم اللهُ، وأعطاهم مِن العلم ما لم يُعْطِ سواهم، ولكنْ في هذا العلم الخاصِّ: كان عند الخَضِر ما ليس عنده؛ فلهذا حرصَ على التعلُّم منه؛ فعلى هذا: لا ينبغي للفقيه المحدِّث إذا كان قاصرًا في علم النَّحو، أو الصَّرف، أو نحوه مِن العلوم؛ أنْ لا يتعلَّمه مِمَّنْ مهر فيه، وإنْ لم يكن محدِّثًا ولا فقيهًا.

    ومنها: إضافة العلمِ وغيره من الفضائل لله تعالى، والإقرار بذلك، وشكر الله عليها؛ لقوله: {تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ} أي: مِمَّا علَّمك الله تعالى.

    ومنها: أنَّ العلم النَّافع: هو العلم المُرشِد إلى الخير؛ فكلُّ علمٍ يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير، وتحذير عن طريق الشرِّ، أو وسيلة لذلك؛ فإنَّه مِنَ العلم النَّافع، وما سوى ذلك؛ فإمَّا أنْ يكون ضارًّا، أو ليس فيه فائدة؛ لقوله: {أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}.


    وما زلنا مع الزَّهر العَطِر، مِن فوائد قصَّة موسى مع الخَضِر -عليهما السَّلام-:

    ومِنْها: أنَّ مَنْ ليس له قوَّة الصَّبر على صُحبة العالم والعلم، وحسن الثَّبات على ذلك؛ أنَّه يفوته بحسب عدم صبره كثيرٌ مِن العِلْم، فَمَنْ لا صبرَ له؛ لا يدرك العلمَ، ومَنِ استعمل الصَّبر ولازمه؛ أدركَ به كلَّ أمرٍ سعى فيه؛ لقول الخضر - يعتذر مِن موسى بذكر المانع لموسى مِنَ الأخذ عنه -: إنَّه لا يصبر معه.

    ومنها: أنَّ السَّبب الكبير لحصول الصَّبر: إحاطة الإنسان علمًا وخبرةً بذلك الأمر الَّذي أُمِرَ بالصَّبر عليه، وإلاَّ فالَّذي لا يدريه، أو لا يدري غايته ولا نتيجته، ولا فائدته وثمرته؛ ليس عنده سبب الصَّبر؛ لقوله: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا}؛ فجعل الموجب لعدم صبره: عدمَ إحاطته خُبْرًا بالأمرِ.

    ومنها: الأمر بالتأنِّي والتَثَبُّت، وعدم المُبادرة إلى الحكم على الشَّيء، حتَّى يعرف ما يُراد منه، وما هو المقصود.
    نستكمل معًا فوائدَ قصَّة موسى والخَضِر -عليهمـا السََّلام-:

    ومنها: تعليق الأمور المستقبَلة الَّتي من أفعال العباد بالمشيئة، وأنْ لا يقول الإنسان للشَّيء: إنِّي فاعلٌ ذلك في المستقبل، إلاَّ أنْ يقول: « إنْ شاءَ اللهُ ».

    ومنها: أنَّ العزم على فعل الشَّيء ليس بمنزلة فعله؛ فإنَّ موسى قال: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا}؛ فوطَّن نفسه على الصَّبر، ولم يفعلْ.

    ومنها: أنَّ المعلِّم إذا رأى المصلحة في إيزاعه للمتعلِّم أنْ يتركَ الابتداء في السُّؤال عنْ بعض الأشياء، حتى يكون المعلِّم هو الَّذي يُوقفه عليها؛ فإنَّ المصلحة تتبع، كما إذا كان فهمه قاصرًا، أو نهاه عن الدَّقيق في سؤال الأشياء الَّتي غيرها أهمُّ منها، أو لا يدركها ذهنه، أو يسأل سؤالاً لا يتعلَّق في موضوع البحث.

    ومنها: جواز ركوب البحر، في غير الحالة الَّتي يخاف منها.

    ومنها: أنَّ النَّاسي غير مؤاخَذٍ بنسيانه، لا في حقِّ الله، ولا في حقوقِ العباد؛ لقوله: {لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ}.

    ومنها: أنَّه ينبغي للإنسان أنْ يأخذ مِن أخلاق النَّاس ومعاملاتهم العفو منها، وما سمحَتْ به أنفسُهم، ولا ينبغي له أنْ يكلِّفهم ما لا يطيقون، أو يشقّ عليهم، ويرهقهم؛ فإنَّ هذا مدعاةٌ إلى النُّفور منه والسَّآمة، بل يأخذ المتيسّر؛ ليتيسَّر له الأمر.

    ومنها: أنَّ الأمور تجري أحكامها على ظاهرها، وتعلّق بها الأحكام الدُّنيويَّة، في الأموال، والدِّماء، وغيرها؛ فإنَّ موسى -عليه السَّلام- أنكر على الخَضِر خرقَـه السَّفينةَ، وقتل الغلام، وأنَّ هذه الأمور ظاهرها أنَّها مِن المنكَر، وموسى -عليه السَّلام- لا يسعه* السُّكوت عنها، في غير هذه الحال الَّتي صَحِب عليها الخَضِر؛ فاستعجل -عليه السلام- وبادر إلى الحُكم في حالتها العامَّة، ولم يلتفتْ إلى هذا العارض الَّذي يُوجب عليه الصَّبر، وعدم المبادرة إلى الإنكار.


    يتبع بإذن الله

     
  3. #3
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4387

    افتراضي رد: الزَّهْر العَطِر مِن فوائدِ قصَّة موسى والخَضِر - عليهما السَّلام

    ومنها: القاعدة الكبيرة الجليلة؛ وهو أنَّه: « يدفع الشَّرّ الكبير بارتكاب الشَّرِّ الصَّغير »، ويُراعي أكبر المصلحتَيْن بتفويت أدناهما؛ فإنَّ قتلَ الغلام شرٌّ، ولكنَّ بقاءَه حتَّى يفتنَ أبوَيْهِ عَن دِينِهما أعظمُ شرًّا منه، وبقاء الغلام مِن دون قتلٍ وعصمته، وإنْ كان يظنُّ أنَّه خَير؛ فالخير ببقاء دِينِ أبوَيْه وإيمانهما خير من ذلك؛ فلذلك قَتَلَه الخضر، وتحت هذه القاعدة من الفروع والفوائد ما لا يدخُلُ تحت الحَصْر؛ فتـزاحم المصالح والمفاسد كلّها داخلٌ في هذا.

    ومنها: القاعدة الكبيرة أيضًا، وهي أنَّ « عملَ الإنسان في مالِ غيره، إذا كان على وجه المصلحة وإزالة المفسدة؛ أنَّه يجوز، ولو بلا إذنٍ، حتَّى ولو ترتَّب على عمله إتلافُ بعضِ مال الغير »، كما خرق الخضر السفينة لتعيبَ؛ فتسلم من غَصْب الملِك الظَّالم؛ فعلى هذا لو وقع حرق، أو غرق، أو نحوهما، في دار إنسان أو ماله، وكان إتلاف بعض المال، أو هدم بعض الدَّار: فيه سلامةٌ للباقي؛ جاز للإنسان، بل شُرِع له ذلك؛ حفظًا لمال الغير، وكذلك لو أراد ظالم أخذ مال الغير، ودفع إليه إنسان بعضَ المال؛ افتداءً للباقي؛ جاز ولو مِنْ غير إذن.
    ومنها: أنَّ العمل يجوز في البحر، كما يجوز في البرِّ؛ لقوله: {يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}، ولم ينكر عليهم عملهم.

    ومنها: أنَّ المسكين قد يكون له مالٌ لا يبلغ كفايتَه، ولا يخرج بذلك عن اسم المسكنة؛ لأنَّ الله أخبر أنَّ هؤلاء المساكين لهم سفينة.

    ومنها: أنَّ القتل مِن أكبر الذُّنوب؛ لقوله في قتل الغلام: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا}.

    ومنها: أنَّ القتل قصاصًا غير منكَر؛ لقوله: {بِغَيْرِ نَفْسٍ}.

    ومنها: أنَّ العبد الصَّالح يحفظه الله في نفسه، وفي ذُرِّيَّته.

    ومنها: أنَّ خِدمة الصَّالحين، أو مَنْ يتعلَّق بهم، أفضل مِن غيرها؛ لأنَّه علَّل استخراج كنزهما، وإقامة جدارهما، بأنَّ أباهما صالح.

    استكمـال الفوائـد:

    ومنها: استعمال الأدب مع الله تعالى في الألفاظ؛ فإن الخَضِر أضاف عيب السَّفينة إلى نفسه بقوله: {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا}، وأمَّا الخَير؛ فأضافه إلى الله تعالى؛ لقوله: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ}، كما قال إبراهيم -عليه السَّلام-: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}، وقالت الجنُّ: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}، مع أنَّ الكلَّ بقضاء الله وقدَره.

    ومنها: أنَّه ينبغي للصَّاحب أنْ لا يفارقَ صاحبه في حالة من الأحوال، ويترك صُحبته؛ حتَّى يعتبه، ويعذر منه، كما فعل الخضر مع موسى.

    ومنها: أنَّ مُوافَقَة الصَّاحب لصاحبه في غير الأمور المحذورة؛ مدعاةٌ وسببٌ لبقاء الصُّحبة، وتأكُّدها، كما أنَّ عدم الموافقة سببٌ لقطع الْمُرافقة.

    ومنها: أنَّ هذه القضايا الَّتي أجراها الخضر؛ هي قدر مَحْضٌ، أجراها الله وجَعَلَها على يدِ هذا العبد الصَّالح؛ ليستدلَّ العباد بذلك على ألطافه في أقْضِيَتِه، وأنَّه يقدِّر على العبدِ أمورًا يكرهها جدًّا، وهي صلاح دينه، كما في قضيَّة الغلام، أو وهي صلاح دنياه، كما في قضية السَّفينة، فأراهم نموذجًا مِن لُطفه، وكرمه، ليعرفوا ويرضَوْا غايةَ الرِّضا بأقداره المكروهة.

    تمَّتْ الفوائد، بحمدِ الله، مِنْ: "تيسير الكريم الرَّحمن في تفسير كلامِ المنَّان"، تأليف العلاَّمة الشَّيـخ/ عبد الرَّحمن بن ناصر السَّعدي، قدَّم له فضيلة الشَّيخ/ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيـل، وفضيلة الشَّيخ/ محمَّـد الصَّالح العُثيمين، اعتنى به تحقيقًا ومُقابلةً/ عبد الرَّحمن بن معلا اللّويحق، مؤسَّسة الرِّسالة، بيروت، ط1، 1422هـ، ص483-485.


    {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إنَّكَ أنتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ}.

     
  4. #4
    صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute الصورة الرمزية صناع الحياة
    تاريخ التسجيل
    09 / 06 / 2005
    الدولة
    مصر
    العمر
    51
    المشاركات
    21,349
    معدل تقييم المستوى
    26549

    افتراضي رد: الزَّهْر العَطِر مِن فوائدِ قصَّة موسى والخَضِر - عليهما السَّلام

    جزاك الله كل الخير .. مع الشكر للأخ الفاضل توفيق على الموضوع القيم

     
  5. #5
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4387

    افتراضي رد: الزَّهْر العَطِر مِن فوائدِ قصَّة موسى والخَضِر - عليهما السَّلام

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    بارك الله فيك اخي

     

 
+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك