+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute الصورة الرمزية ابو مالك
    تاريخ التسجيل
    20 / 03 / 2007
    الدولة
    الأردن
    العمر
    50
    المشاركات
    6,574
    معدل تقييم المستوى
    7059

    افتراضي صوم الصالحين (سادات الصائمين (1 - 12))

    وردت آثار كثيرة عن السابقين في علوِّ هِمَمهم وأخذِهم بالعزائم في العبادات، وهُم جبال في الاقتداء والتأسِّي برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

    ويقول الشاطبِيُّ في "الاعتصام" (1/ 404): "نحن نحمل ما داوم عليه الأولون من الأعمال على أنه لم يكن شاقًّا عليهم، وإن كان ما هو أقل منه شاقًّا علينا، فليس عمل مثلهم بما عملوا به حجة لنا أن ندخل فيما دخلوا فيه، إلا بشرط أن يمتد مَناطُ المسألة فيما بيننا وبينهم، وهو أن يكون ذلك العمل لا يشق الدوام على مثله.

    وليس كلامنا هذا لمشاهدة الجميع، فإن التوسُّط والأخذ بالرفق هو الأولى والأحرى للجميع، وهو الذي دلَّت عليه الأدلَّة دون الإيغال الذي لا يَسهُل مثله على جميع الخلق ولا أكثرهم؛ إلاَّ على القليل النادِر منهم، والشاهد لصحة هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لست كهيئتكم، إني أبيت عند ربي، يُطعِمُني ويسقيني))[1]، يريد - عليه الصلاة والسلام - أنه لا يشق عليه الوصال، ولا يَمنعه عن قضاء حق الله وحقوقِ الخلق.

    فعلى هذا: من رُزِقَ أنموذجًا مما أعطيه - عليه الصلاة والسلام - فصار يوغل في العمل - مع قوته ونشاطه وخفة العمل عليه - فلا حرج"[2].

    يقول الشاطبي: كم من رجل صلَّى الصبح بوضوء العشاء كذا وكذا سنة، وسرد الصيام كذا وكذا سنة، وكانوا هم العارفين بالسنة، لا يميلون عنها لحظة، وروي عن ابن عمر وابن الزبير: أنهما كانا يواصلان الصيام[3]، وأجاز مالك – وهو إمام في الاقتداء[4] - صيام الدهر؛ يعني إذا أفطر أيَّام العيد، والآثار في هذا المعنى كثيرة عن الأولين، وهي تدل على الأخذ بما هو شاقٌّ على الدوام، ولم يعدهم أحد بذلك مخالفين للسنة، بل عدوهم من السابقين- جعَلَنَا الله منهم – وأيضًا فإن النهي ليس عن العبادة المطلوبة بل هو عن الغلوِّ فيها غلوًّا يُدخِل المشقة على العامل، فإذا فرضنا من فُقِدَت في حقِّه تلك العِلَّة فلا ينهض النهي في حقِّه؛ كما إذا قال الشارع: لا يقضي القاضي وهو غضبان، وكانت علة النهي تشويش الفكر عن استيفاء الحجج؛ اطرد النهي مع كل مشوش، وانتهى عند انتفائه حتى أنه مع وجود الغضب اليسير الذي لا يمنع من استِيفاء الحجج، وهذا صحيح جارٍ على الأصول.

    وحال من فُقِدَت في حقه العلة حالُ من يعمل بحكم من غلبة الشوق أو غلبة الرجاء أو المحبة؛ فإن الخوف شرٌّ سائق، والرجاء حادٍ قائد، والمحبَّة سبيل حامل، فالخائف إن وجد المشقَّة؛ فالخوف مما هو أشق يحمله على الصَّبر على ما هو أهون، وإن كان العمل شاقًّا، والراجي يعمل وإن وَجَد المشقة؛ لأن راء الراحةِ التامة يَحمله على الصبر على بعض التعب، والحب يعمل ببذل المجهود؛ شوقًا إلى المحبوب، فيَسهُل عليه الصعب، ويَقرُب عليه البعيد، فيوهن القُوَى، ولا يَرَى أنه أوفى بعهد المحبة ولا قام بشكر النعمة، ويعصر الأنفاس، ولا يرى أنه قضى نَهَمَتَه.

    وَإذا كان كذلك صَحَّ بين الأدلة، وجاز الدخول في العمل التزامًا مع الإيغال فيه! إمَّا مطلقًا وإما مع ظن انتفاء العلَّة، وإن دخَلَت المشقَّة فيما بعد؛ إذا صح من العامل الدوام على العمل، ويكون ذلك جاريًا على مقتضى الأدلة وعملِ السلف الصالح"[5].

    فالحاصل: جواز الاجتهاد في العبادة بشروط:
    الأول: أن لا يحصل له مَلَل يُفقِده لذَّة العبادة بدليل: ((ليصل أحدكم نشاطه)).

    الثانِي: أن يكثر حسَب طاقته، ودليله: ((عليكم من الأعمال ما تطيقون)).

    الثالث: لا يفوت من الأعمال ما هو أهم، ويدلُّ عليه قول عمر: "لأن أشهد الصبح في جماعة أحبُّ إليَّ من أن أقوم ليلة".

    الرَّابع: أن لا يضيع حقًّا شرعيًّا، كما حصل لابن عمرو وأبي الدرداء.

    الخامس: أن لا يبطل رخصة شرعيَّة، كما ظن الرهط الذين تقالُّوا عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته.

    السادس: أن لا يوجب ما ليس بواجب شرعيٍّ، كما أوجب ابن مظعون على نفسِه.

    السابع: أن ياتي بالعبادة المجتهد فيها بتمامها، بدليل: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)).

    الثامن: أن يُداوم على ما يختاره من العبادة، بدليل: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها)).

    التاسع: أن لا يجتهد بحيث يورث الملل لغيره، أخذًا بحديث ((إذا صلى أحدكم فليخفف)).العاشر: أن لا يعتقد أنه أفضل عملاً مما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من تقليل العمل[6].

    (1) صوم الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
    المفارق للتنعُّم والتَّرفيه، المعانق لما كُلِّف من التَّشمُّر والتوجُّه.

    قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لم أر عبقريًّا يفري فرية))[7].

    عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ما مات عمر حتى سرد الصوم[8].

    [poem=font="Times New Roman,6,royalblue,bold,no rmal" bkcolor="transparent" bkimage="http://www.mwadah.com/mwaextraedit2/backgrounds/15.gif" border="double,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""] فمن يسع أو يركب جناحي نعامة=ليدرك ما قدمت بالأمي يسبق(9)
    [/poem]


    (2) صوم ذي النورين عثمان بن عفان - رضي الله عنه -
    أمير البررة وقتيل الفجرة.

    [poem=font="Times New Roman,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="http://www.mwadah.com/mwaextraedit2/backgrounds/15.gif" border="double,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""] حبيب محمد ووزير صدق=ورابع خير من وطئ الثريا[/poem]



    قال أبو نعيم عنه: "حفظه من النهار الجود والصيام، ومن الليل السجود والقيام، مبشر بالبلوى، ومنعم بالنجوَى"[10].

    وعن الزبير بن عبدالله، عن جدة له يقال لها هَيْمَة قالت: "كان عثمان يصوم الدهر، ويقوم الليل إلا هجعة من أوله"، رضي الله عنه، قتلوه وقد كان صائمًا [11].

    وروى ابن كثير في "البداية والنهاية" (7/207): "صلى صلاة الصبح ذات يوم، فلما رفغ أقبل على الناس فقال: إني رأيت أبابكر وعمر أتياني الليلة، فقالا لي: صم يا عثمان؛ فإنك تفطر عندنا، وإني أشهدكم أني وقد أصبحت صائمًا، وإني أعزم على من كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يخرج من الدار سالمًا مسلومًا منه، ثم دعا بالمصحف فأكب عليه - رضي الله عنه - ما طوى المصحف.. وقتلوه وهو يقرؤه".

    (3) صوم أبي طلحة الأنصاري زيد بن سهل:
    أحد أعيان البدريين، وأحد النقباء الاثنَى عشر ليلة العقبة، قال عنه - صلى الله عليه وسلم -: ((لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل))[12].

    عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان أبو طلحة لا يصوم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل الغزو، فلمَّا قُبِض النبي - صلى الله عليه وسلم - لم أره يفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر[13].

    وقال الذهبي: "كان قد سرد الصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -"[14].

    قال أبو زرعة الدمشقي: إن أبا طلحة عاش بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة يسرد الصوم[15].

    قال الذهبي: "قلت بل عاش بعده نيفًا وعشرين سنة"[16].

    وعن أنس: "أن أبا طلحة صام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى"[17].

    (4) صوم عائشة زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
    "الصديقة بنت الصديق، العتيقة بنت العتيق، حبيبة الحبيب، وأليفة القريب، سيد المرسلين محمد الخطيب، المبرأة من العيوب، المعراة من ارتياب القلوب لرؤيتها جبريل رسول علام الغيوب"[18].

    عن عبدالرحمن بن القاسم أن عائشة كانت تصوم الدهر[19]، وأخرجه ابن سعد عن القاسم بلفظ: إن عائشة كانت تسرد الصوم[20].

    عن عروة: أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تسرد الصوم، وعن القاسم أنها كانت تصوم الدهر، لا تُفطِر إلا يوم أضحى أو يوم فطر[21]، قال عروة: بعث معاوية مرة إلى عائشة بمائة ألف درهم، فقسمتها؛ لم تترك منها شيئًا، فقالت بريرة: أنت صائمة، فهلا ابتعت لنا منها بدرهم لحمًا؟ قالت: "لو ذكَّرتِنِي لفعلتُ"[22].

    وعن محمد بن المنكدر عن أم ذرة، وكانت تغشى عائشة - رضي الله عنه - قالت: بعث إليها الزبير بمال في غرارتين، قالت: أراه ثمانين ومائة ألف، فدعت بطبق، وهي صائمة يومئذ، فلما أسمت قالت: "يا جارية، هلمِّي فطوري" فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم ذرة: أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحمًا نفطر عليه؟ فقالت: "لا تعنفيني، لو كنت ذكَّرتِنِي لفعلت"[23].

    (5) صوم أم المؤمنين حفصة بنت عمر:
    القوامة الصوامة، حفصة بنت عمر بن الخطاب، وارثة الصحيفة، الجامعة للكتاب[24].

    عن قيس بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق حفصة بنت عمر فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون، فبكت، وقالت: والله، ما طلقني عن شبع، وجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فتجلْبَبَت، قال: فقال لي جبريل - عليه السلام -: راجع حفصة؛ فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة[25]، أيُّ شهادة أعظم من شهادة الله وجبريل لحفصة - رضي الله عنها - وأنعِم بها من عبادةٍ كانت سببًا لرجوع أم المؤمنين حفصة إلى رسولنا - صلى الله عليه وسلم - لتبقى له زوجة في الجنة.

    وعن نافع قال: "ماتت حفصة حتى ما تفطر".

    (6) صوم أبي الدرداء، حكيم الأمة، وسيد القراء:
    وامَقَ العبادةَ، فارَق التجارةَ، داوَم على العمل استباقًا، وأحب اللقاء اشتياقًا، تفرغ من الهموم ففتحت له الفهوم، صاحب الحكم والعلوم[26].

    قال أبو الدرداء: "كنت تاجرًا قبل أن يبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - فلما بعث محمد زاولت العبادة والتجارة، فلم يجتمعا، فأخذت في العبادة، وتركت التجارة"[27].

    وفي رواية: "كنت تاجرًا قبل المبعث، فلما جاء الإسلام جمعت التجارة والعبادة، فلم يجتمعا، فتركت التجارة، ولزمت العبادة"[28].

    قال ابن إسحاق: كان الصحابة يقولون: أتبعُنا للعلم والعمل أبو الدرداء[29].

    وعن يزيد بن معاوية أن أبا الدرداء كان من العلماء الفقهاء الذين يشفون من الداء[30].

    عن أبي جحيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخى بين سلمان وأبي الدرداء، فجاءه سلمان يزوره، فإذا أم الدرداء متبذلة[31]، فقال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك لا حاجة له في الدنيا، يقوم الليل ويصوم النهار، فجاء أبو الدرداء فرحب به وقرَّب إليه طعامًا، فقال له سلمان: كل، قال: إني صائم، قال: أقسَمْت عليك لتُفطِرن، فأكل معه، ثم بات عنده، فلما كان من الليل، أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان وقال: إن لجسدك عليك حقًّا، ولربك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، صم، وأفطر، وصل، وائت أهلك، وأعط كل ذي حق حقه، فلما كان وجه الصبح، قال: قم الآن إن شئت؛ فقاما، فتوضأا، ثم ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي أمره سلمان، فقال له: ((يا أبا الدرداء، إن لجسدك عليك حقًّا، مثل ما قال لك سلمان))[32].

    (7) صوم عبدالله بن عمرو بن العاص:
    صاحب الصيام والقيام، "الإمام الحبر العادل"، "له مناقب وفضائل ومقام راسخ في العلم والعمل"[33].

    عن عبدالله بن عمرو قال: "أنكحني أبي امرأةً ذاتَ حسب، فكان يتعاهد كَنَّتَه، فيسألها عن بعلها، فتقول: نِعمَ الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشًا، ولم يفتش لنا كنفًا مذ أتيناه، فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((القَنِي به))، فلقيته بعدُ، فقال: ((كيف تصوم؟)) قلت: كل يوم، قال: ((وكيف تختم؟)) قلت: كل ليلة، قال: ((صم في كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر))، قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: ((صم ثلاثة أيام في الجمعة))، قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: ((أفطر يومين، وصم يومًا))، قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: ((صم أفضل الصوم صومَ داود، صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة))، فليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذاك أني كبرت، وضعفت، فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار، والذي يقرؤه يعرضه من النهار ليكون أخف عليه بالليل، وإذا أراد أن يتقوى أفطر أيامًا، وأحصى وصام أيامًا مثلهن كراهية أن يترك شيئًا، فارق النبي - صلى الله عليه وسلم عليه -[34].

    وعند النسائي قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال: ((اقرأه في عشرين))، قلت: دعني أستمتع؛ قال: ((اقرأه في سبع ليالي))، قلت: دعني، يا رسول الله، أستمتع، قال: فأبى[35].

    وصحَّ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نازله إلى ثلاث ليال ونهاه أن يقرأ في أقل من ثلاث[36].

    وعند أحمد عن عبدالله بن عمرو: "زوجني أبي امرأة من قريش، فلما دخلت علي جعلت لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة، فجاء أبي إلى كنفه، فقال: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير رجل من رجل لم يتفش لنا كنفًا، ولم يقرب لنا فراشًا، قال: فأقبل علي، وعضني بلسانه، ثم قال: أنكحتك امرأة ذات حسب، فعضلتها وفعلت، ثم انطلق، فشكاني إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فطلبني فأتيته، فقال لي: ((أتصوم النهار وتقوم الليل؟)) قلت: نعم، قال: ((لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني))[37].

    عن عبدالله بن عمرو قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيتي هذا، فقال: ((يا عبدالله، ألم أخبر أنك تكلفت قيام الليل وصيام النهار؟)) قلت: إني لأفعل، فقال: ((إن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام؛ فالحسنة بعشر أمثالها، فكأنك قد صمت الدهر كله))، قلت: يا رسول الله، إني أجد قوة، وإني أحب أن تزيدني، فقال: ((فخمسة أيام))، قلت: إني أجد قوة، قال: ((سبعة أيام))، فجعل يستزيده، ويسزيده حتى بلغ النصف، وأن يصوم نصف الدهر، ((إن لأهلك عليك حقًّا، وإن لعبدك عليك حقًّا، وإن لضيفك عليك حقًّا))، وكان بعدما كبر وسن يقول: ألا كنت قبلت رخصة النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي من أهلي ومالي[38].

    قال الذهبي: هذا السيد العابد الصاحب كان يقول – لما شاخ -: ليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرضي الله عن صاحب الصيام والقيام الذي زم نفسه في تعبُّده وورده بالسنة النبوية.

    (8) صوم عبدالله بن عمر:
    "الإمام القدوة شيخ الإسلام"[39]، المتعبد المتهجِّد، يكفيه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل))[40]، وقوله: ((إن عبدالله رجل صالح لو كان يكثر الصلاة من الليل))[41].

    قال عنه نافع: "كان ابن عمر لا يصوم في السفر، ولا يكاد يفطر في الحضر"[42].عن سعيد بن جبير قال: لما احتضر ابن عمر، قال: ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت بنا، يعني الحجاج[43].

    (9) صوم أبي أمامة الباهلي:
    صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

    عن رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة: "أنشأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيشًا فأتيته، فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، قال: ((اللهم، سلِّمْهم وغنمهم))، فغزونا، فسلِمْنا وغنمنا، حتى ذكر ذلك ثلاث مرات، قال: ثم أتيته، فقلت: يا رسول الله، إني أتيتك تترى ثلاث مرات، أسألك أن تدعو لي بالشهادة، فقلت: ((اللهم سلمهم وغنمهم))، فسلِمْنا وغنمنا، يا رسول الله، فمرني بعمل أدخل به الجنة، فقال: ((عليك بالصوم؛ فإنه لا مثل له))، قال: فكان أبو أمامة لا يرى في بيته الدخان نهارًا إلا إذا نزل بهم ضيف، فإذا رأوا الدخان نهارًا عرفوا أن قد اعتراهم ضيف"[44].

    وعن أمامة: فكان أبو أمامة، وامرأته، وخادمه لا يلفون إلا صيامًا[45].

    قال الذهبي: ولأبي أمامة كرامة باهرة جزع هو منها، وهي في كرامات الدَّاكالي وأنه تصدق بثلاثة دنانير، فلقي تحت كراجته ثلاث مئة دينار[46].

    وفي "تاريخ الذهبي" (3/315) عن مولاة لأبي أمامة، قالت: "كان أبو أمامة يحب الصدقة، ولا يقف به سائل إلا أعطاه، فأصبحنا يومًا وليس عنده إلا ثلاثة دنانير، فوقف به سائل، فأعطاه دينارًا ثم آخر فكذلك، ثم آخر فكذلك، قلت: لم يبق لنا شيء، ثم راح إلى مسجده صائمًا، فرققت له واقترضت له ثمن عشاء، وأصلحت فراشه، فإذا تحت المرفقة ثلاثمائة دينار، فلما دخل ورأى ما هيأت له، حمد الله وابتَسَم، وقال: هذا خير من غيره، ثم تعشَّى، فقلت: يغفر الله لك جئت بما جئت به، ثم تركته بموضع مضيعة، قال: و ما ذاك؟ قلت: الذهب، ورفعت المرفقة، ففزع لما رأى تحتها، وقال: ما هذا ويحك؟ قلت: لا علم لي، فكثر فزعه".

    (10) صوم عبدالله بن الزبير:
    أمير المؤمنين ابن الحواري عائذ ببَيْت الله، المشاهد في القيام، المواصِل للصيام.

    قال الذهبي: عدُّوه في صغار الصحابة، وإن كان كبيرًا في العلم والشرف والجهاد والعبادة.

    قالت عنه أسماء بنت أبي بكر: إنه قوَّام الليل، صوَّام النهار، وكان يُسمَّى حمامة المسجد[47].

    عن ابن أبي مليكة قال: "كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام، ويصبح في اليوم السابع وهو ألْيَثُنَا"[48].

    لقد كان ابن الزبير مع ملكه صنفًا في العبادة[49].

    وقال ابن عمر، وقد رآه مصلوبًا: "السَّلاَمُ عَلَيْكَ، أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ، أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ، أَبَا خُبَيْبٍ، أَمَا وَاللَّهِ، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ، إِنْ كُنْتَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا وَصُولاً لِلرَّحِمِ، أَمَا وَاللَّهِ لأُمَّةٌ أَنْتَ أَشَرُّهَا لأُمَّةٌ خَيْرٌ"[50].

    (11) صوم عبدالله بن رواحة:
    الأمير السعيد الشهيد البدري النقيب، أبو عمرو الأنصاري الخزرجي شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

    عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره في يوم حارٍّ، حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن رواحة"[51].

    وعند الذهبي في "السيَر": "إن كنا لنكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر في اليوم الحار، ما في القوم أحد صائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن رواحة"[52].

    عن ابن أبي ليلة: تزوج رجل امرأة ابن رواحة، فقال لها: تدرين لم تزوجتك؟ لتخبريني عن صنيع عبدالله في بيته، فذكرت له شيئًا لا أحفظه غير أنها قالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته، صلى ركعتين، وإذا دخل صلى ركعتين، لا يدع ذلك أبدًا"[53].

    (12) صوم الصحابي الجليل حمزة بن عمرو الأسلمي:
    كان - رضي الله عنه - يسرد الصوم.

    روى الإمام أحمد عن عائشة - رضي الله عنها - أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني رجل أسرد الصوم فأصوم في السفر، قال: ((صم إن شئت وأفطر إن شئت)).

    قال النووي: "فيه دلالة لمذهب الشافعي، وموافقته أن صوم الدهر وسرده غري مكروه لمن لا يخاف منه ضررًا، ولا يفوت به حقًّا بشرط فطر يومي العيدين والتشريق؛ لأنه أخبر بسرده، ولم ينكر عليه، بل أقره عليه، وأذن له فيه في السفر، ففي الحضر أولى".

    وهذا محمول على أن حمزة بن عمرو كان يطيق السرد بلا ضرر ولا تفويت حق، كما في الرواية التي بعدها: (أجد بي قوة على الصيام في السفر)، وأما إنكاره - صلى الله عليه وسلم - على ابن عمرو بن العاص صوم الدهر؛ فلأنه علم - صلى الله عليه وسلم - أنه سيضعف عنه، وهكذا جرى بأنه ضعف في آخر عمره، وكان يقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب العمل الدائم، وإن قل ويحثهم عليه[54].
    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
    [1] جزء من حديث صحيح.
    [2] "الاعتصام" (1/404).
    [3] قال في "الاعتصام" (1/405): "ويكون عمل ابن الزبير وابن عمر وغيرهما في الوصال جاريًا على أنهم مما أعطيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا بناء على أصل مذكور في كتاب "الموافقات" والحمد لله.
    [4] قال الشافعي: إذا جاء الأثر فمالك النجم.
    [5] "الاعتصام" (1/400 – 401).
    [6] بتصرُّف من "إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة"، للكنوي (من 147 – 153)، ط مكتب المطبوعات الإسلامية.
    [7] متفق على صحته.
    [8] "صفة الصفوة"، لابن الجوزي (1/286)، والأثر أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/121)، والبيهقي في "سننه" (4/301)، وابن حزم في "المحلى" (7/14).
    [9] "صفة الصفوة" (1/292).
    [10] "الحلية" (1/55).
    [11] "الحلية" (1/56)، و"صفة الصفوة" (1/302).
    [12] صحيح: رواه الحاكم في "المستدرك" عن جابر، ورواه ابن عساكر، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5081).
    [13] "المعجم الكبير" للطبراني (5/91)، وأشار الشيخ حمدي عبدالمجيد السلفي إلى صحته.
    [14] "سير أعلام النبلاء" (1/27).
    [15] "تاريخ دمشق"، لأبي زرعة (562).
    [16] "سير أعلام النبلاء" (1/29).
    [17] "المستدرك" (3/353)، وقال: على شرط مسلم.
    [18] "حلية الأولياء" (3/43).
    [19] "سير أعلام النبلاء" (1/187)، ورجاله ثقات، أخرجه ابن سعد (8/68).
    [20] أخرجه ابن سعد (8/75).
    [21] "السمط الثمين" (ص9)، و"صفة الصفوة" (2/31). والمعنى: أنها كانت تصوم غير الأيام المنهي عنها: كالعيدين، وأيام التشريق والحيض.
    [22] أبو نعيم في "الحلية" (2/47)، والحاكم (4/13).
    [23] ابن سعد (8/46)، و"الحلية" (2/47)، ورجاله ثقات.
    [24] "الحلية" (2/50).
    [25] حسَن: أخرجه الحاكم في "المستدرك" عن أنس وقيس بن زيد.
    [26] "الحيلة" (1/28).
    [27] "الحلية" (1/29).
    [28] ابن سعد (7/391)، قال الهيثمي (9/367): رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
    [29] ابن عساكر (2/13/371).
    [30] "سير أعلام النبلاء" (2/346).
    [31] أي: لابسة ثياب البذلة، وهي المهنة.
    [32] البخاري، والترمذي.
    [33] "سير أعلام النبلاء" (3/80).
    [34] رواه البخاري في كتاب: "فضائل القرآن" باب: "في كم يقرأ القرآن" (8/712، 713).
    [35] رواه النسائي.
    [36] أبو داود والترمذي وابن ماجة.
    [37] رجاله ثقات.
    [38] إسناده حسن، رواه أحمد في "مسنده" (2/200).
    [39] "سير أعلام النبلاء" (3/204).
    [40] صحيح: رواه البخاري، ومسلم، وأحمد.
    [41] صحيح: رواه البخاري، ومسلم وابن ماجة.
    [42] "سير أعلام النبلاء" (3/215).
    [43] إسناده صحيح: أخرجه ابن سعد (4/185)، والذهبي في "السير" (3/232).
    [44] إسناده صحيح على شرط مسلم، أخرجه ابن حبان في "صحيحه"، وابن أبي شيبة، والنسائي، والطبراني، وعبدالرزاق.
    [45] "سير أعلام النبلاء" (3/360).
    [46] "سير أعلام النبلاء" (3/362).
    [47] "حلية الأولياء" (1/335)، و"سير أعلام النبلاء" (3/367).
    [48] رواه الحاكم (3/549)، أليثنا، أي: كأنه ليث.
    [49] "سير أعلام النبلاء" (3/368).
    [50] رواه مسلم في "صحيحه".
    [51] خ، م، د، هـ، رواه البخاري ومسلم وأبو داود، وابن ماجة.
    [52] "سير أعلام النبلاء" (1/232 – 233).
    [53] إسناده صحيح: نسبة الحفاظ في "الإصابة" (6/78 – 179)، ابن المبارك في "الزهد" وصحح سنده، ورواه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (1/33)، ورجاله ثقات.
    [54] صحيح: مسلم بشرح النووي

    بقلم سيد حسين العفاني جعلها الله في ميزان حسناته

     
  2. #2
    صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute الصورة الرمزية صناع الحياة
    تاريخ التسجيل
    09 / 06 / 2005
    الدولة
    مصر
    العمر
    51
    المشاركات
    21,349
    معدل تقييم المستوى
    26549

    افتراضي رد: صوم الصالحين (سادات الصائمين (1 - 12))


     
  3. #3
    ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute الصورة الرمزية ابو مالك
    تاريخ التسجيل
    20 / 03 / 2007
    الدولة
    الأردن
    العمر
    50
    المشاركات
    6,574
    معدل تقييم المستوى
    7059

    افتراضي رد: صوم الصالحين (سادات الصائمين (1 - 12))

    شكرا لمرورك على مشاركتي أحي صناع الحياة



     

 
+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك