بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فإن قال شخص :
ما ضرّ لو أنّ المسلمين قاموا بأعمالهم وتكاليفهم العباديّة ، من صوم وحجّ وفقاً للشهور القمريّة ، ومارسوا آدابهم وشؤونهم الاجتماعيّة والسياسيّة الاُخري وفقاً للشهور الشمسيّة ، وحينئدٍ لا يلزم النسيء الذي يمثّل زيادة في الكفر ، إذ إنّهم يقومون بأعمالهم التي لا علاقة لها بالشرع علی أساس تأريخ آخر كالتأريخ الروميّ أو الروسيّ أو الفرنسيّ أو الفارسيّ القديم من حيث تعداد أيّام الشهور ، حسب عقود اعتباريّة يضعونها . وعلی فرض أنـّهم يجعلون هجرة النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم بداية للتأريخ في هذه التواريخ المذكورة ، فإنّ تأريخهم الرسميّ فقط هو التأريخ الشمسيّ تبعاً للمصالح الدنيويّة . فإنّنا نقول في إجابته : إنّ جميع الإشكالات تنبع من هذا الاُسلوب في التفكير ، وذلك :
أوّلاً : أنّ جعل التأريخ الشمسيّ تأريخاً رسميّاً خلاف لنصّ القرآن والسنّة النبويّة وسيرة الائمّة الطاهرين وعلمإ الإسلام ، بل خلاف لمنهج المسلمين جميعهم .
ثانياً : هذا العمل يؤدّي إلي فصل الدين عن السياسة ، إذ إنّ القيام بالاعمال العباديّة وفقاً للتأريخ القمريّ ، وممارسة الاحكام الاجتماعيّة والشؤون السياسيّة طبقاً للتأريخ الشمسيّ من المصاديق الواضحة لفصل الدين عن السياسة . وينتهي بعزل الدين عن شؤون الحياة المهمّة وحصره في الشؤون الشخصيّة والفرديّة .
ثالثا : ويؤدّي إلي تعطيل الكتب والتواريخ المدوّنة ، وقطع الصلة بين الخَلَف والسلف الصالح ، لانـّنا نري ـ منذ عصر صدر الإسلام حتّي الآن ـ أنّ جميع كتب التفسير ، والحديث ، والتأريخ والتراجم ، وحتّي الكتب العلميّة كالنجوم ، والرياضيّات ، والهيئة والفقه ، وغيرها قد دوّنت علی أساس السنين القمريّة والشهور القمريّة . ونجد أنّ آلاف بل ملايين الكتب المؤلّفة في النطاق الذي كان يحكمه المسلمون سوإ باللغة العربيّة ، أو الفارسيّة ، أو التركيّة أو الهنديّة ، أو الإفريقيّة، أو الاُوروبيّة الشرقيّة ، كلّها تستند إلي التأريخ الهجريّ والسنوات والشهور القمريّة . فلو جعلنا التأريخ الشمسيّ هو الاساس في التأريخ ، أفلا يعني هذا إقصإ تلك الكتب عنّا ، وقطع الصلة بين هذا الجيل ، وبين الثقافة الإسلاميّة الاصيلة في القرون والاعصار الماضية ؟ إنّ استبدال التأريخ الشمسيّ بالتأريخ القمريّ يماثل استبدال الخطّ الإسلاميّ بالخطوط الاجنبيّة ، بل هو من متفرّعات ذلك الاصل ومن الفروع الناميّة لذلك الجذر .
رابعاً : ويحول هذا العمل دون اتّحاد المسلمين في العالم ، ذلك لانّ تأريخ المسلمين جميعهم هو التأريخ القمريّ ، فإذا استعملنا التأريخ الشمسيّ ، فإنّنا سنختلف معهم في التأريخ . وكذلك إذا أختار المسلمون أيضاً لانفسهم تأريخاً آخر كالتأريخ الميلاديّ أو الزردشتيّ أو الكورشيّ أو غيرها من التواريخ . فإنّهم بهذه الطريقة ـ ويا للاسف سيسيرون في اتّجاه معاكس لإتّجاه النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم ممّا يؤدّي إلي تفرّق كلمتهم وتشرذمهم وشقّ عصاهم وانفصام عقدهم . إنّ التأريخ من الاُمور الاُصوليّة للاحكام الإسلاميّة . واتّحاد المسلمين في التأريخ يفضي إلي اتّحادهم في الثقافة النبويّة واختلافهم فيه يؤدّي إلي تفرّقهم وتشتّتهم . والإسلام الذي جمع الناس كلّهم من عرب ، وعجم ، وأتراك وأكراد ، وهنود ، وشرقيّين وغربيّين ، وسود وبيض ، وصفر وحمر تحت راية واحدة هي راية التوحيد، علی الرغم من اختلاف آدابهم وعاداتهم القوميّة حريّ بالتعظيم . وما أسوأ ما نفعل إذا تركنا المسلمين وشأنهم في التأريخ الذي يعتبر من أهمّ البواعث علی الاتّحاد والوفاق ، وأهمّ الدعائم لتوطيد علاقاتهم وتعزيزها ! وليس من الإنصاف أن نجعل كلّ جماعة منهم تسير في الاتّجاه الذي اختارته لنفسها ! وتوحيد التأريخ كتوحيد اللغة الملحوظ في العبادات والمناسك ، كالقرآن ، والصلاة ، والدعإ ، والذكر ، يجعل المسلمين صفّاً واحداً . والاختلاف في التأريخ كالاختلاف في اللغة يشتّتهم ويفرّق كلمتهم . وبينما نري المسلمين في العالم يحتاجون إلي الاتّحاد والوفاق أكثر من أيّ شيء آخر ، وأنّ نبيّهم أمرهم بالاتّحاد ، وأنّ كتابهم ناداهم بقوله : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا ، وأنّ القرآن والنبيّ أعلنا أنّ التأريخ هو القمريّ ، فلماذا نمزّق رسالة سعادتنا بأيدينا ، ونسير في الاتّجاه المعاكس ؟ وقد تنبّه أعدإ الإسلام في القرون الاخيرة جيّداً إلي أنّ السبيل الوحيد للسيطرة علی المسلمين ، والقضإ علی كيانهم العقيديّ والثقافيّ هو إيجاد التفرقة بينهم في الآداب والتقاليد وتقسيم أقطارهم ، وتدمير الاركان التي تقوم عليها وحدتهم ، وذلك تحقيقاً لمصالحهم المادّيّة ، وإمعاناً في استغلالهم . لذلك استخدموا كلّ قواهم من أجل تقويض كيان المسلمين ، وعملوا كلّ ما في وسعهم لتمزيق أوصالهم علی امتداد السنين الخالية . وأفلحوا في ذلك من خلال خطط مزوّرة فجعلوهم طرائق قدداً ، وزعزعوا دعائم حضارتهم وآدابهم وأخلاقهم وعلومهم واحدة تلو الاُخري . عندما سيطر الإسكندر علی الشرق وفتح الاقطار كلّها ، وسار حتّي الهند ، كتب إلي أُستاذه أرسطو يخبره أنـّه استولي علی أقطار الشرق جميعها . وطلب منه أن يرشده ماذا يفعل لكي تبقي تلك الاقطار تحت سيطرته . فأجابه أرسطو أن يقسّم تلك الاقطار المفتوحة إلي أقطار صغيرة ، ويجعل علی كلّ قطر حاكماً ، ويعلن نفسه حاكماً علی الجميع ! وحينئذٍ تنقاد الشعوب كلّها إلي طاعته والعمل بأوامره ، ولا يتمرّد حاكم منهم ولا يرفع لوإ المعارضة خوفاً علی عرشه . وعندئذٍ تعمر تلك الاقطار ويجدّ حكّامها لحفظ مصالحه . ولو قدّر لاحد أن يقوم ضدّه ، فإنّه يبادر إلي قمعه وإخماد نار فتنته بما أُوتي من قدرة كبيرة ! بَيدَ أنـّه إذا حكم تلك الاقطار وحده ، أو فوّض أُمورها إلي شخص واحد غيره . فإنّه يُخشي من أن يستفحل أمرها شيئاً فشيئاً وتتوحدّ فيما بينها وتتمرّد ضدّه . وذلك الشخص حتّي لو كان من أخصّ الخواصّ ، فإنّه يتمرّد ويطغي أيضاً ، ويطالب بالحكومة والسلطنة ، وحينَئذٍ يندحر ويأفل نجمه ، وتفلت تلك الاقطار كلّها من قبضته !
اخي ابو راشد :رجاء ادراج التاريخ الهجري في المنتدى
مواقع النشر (المفضلة)