[align=justify]
"موضوعكِ قمر زيِّك - وجه يغمز"، "هو: موضوعك حلو يا .. هي: إنت الأحلى يا..."، "هههههه والله إنك فلة - وجه مبتسم- أمزح"، "فديتك يا غالي.."، "هي: والله يا... إنك دخلت مزاجي - وجه عليه نظارات سوداء - هو: إحم إحم"، "تأمرين، أمر يا عمري".
هذه ردود في بعض المنتديات الجادة والتجارية وأصحابها من بيئات تغلب عليها المحافظة، لكن يا تُرَى: ما الذي يدفع أمثال هؤلاء الرجال والنساء لتبادل مثل هذه العبارات؟ أهو الإحساس بأن الاختلاط في عالم الشبكة الافتراضي يختلف كثيرًا عن الاختلاط في الواقع، وأنه لا حرج على الكاتب والكاتبة أن يكتبا ما يشاءان لأنهما غير معروفين؟ أم أن كثرة المخالطة تُوجِد نوعًا من الألفة فتخرج مثل هذه التعليقات معبرةً عن حقيقة ما يدور في الخواطر؟ أو أنها دليل على "الاستهبال"، أوالسذاجة أوسوء الطوية؟ وهل يستطيع الرجل أو المرأة أن يكتب مثل هذه الردود أمام الزوجة أو الزوج أو ولي الأمر، ما دام مقتنعًا بأنها مجرد كلمات لا يعرف من قائلها ولا لمن تقال؟
ما من شك بأن الاختلاط افتراضيًّا كان أو واقعيًّا له آثارُه في حياة الناس، اعترفوا بذلك أم جحدوه، ولئن كانت المضطرةُ لمخالطة الرجال في الواقع تحسب ألف حساب للباسها وكلامها وسلوكها، فإن التي تخالط الرجال في المنتديات قد يدفعها إحساسُها بالأمن للاستهتار والجرأة في الرد وانتقاء الموضوعات، وبالمقابل الذي يتحرَّز من النظر للنساء والاحتكاك بهن في الواقع قد تدفعه الجهالة بشخصه في الشبكة لممازحة النساء والخوض فيما لا يعنيه من شأنهن، وما من شك كذلك في أن تكرار المخالطة يؤثِّر في النفوس، بغضِّ النظر عن الدافع الأصلي للاختلاط، فالنفوس البشرية تتآلف بكثرة التعامل ولو من وراء الحجب.
بل ربما كان التعامل - من وراء الحجب - أشدَّ أثرًا من التعامل المباشر؛ لأن كلَّ واحد من المتعاملين يعكس عن نفسه أجمل صورة، وعبارات المداراة واللُّطف والمجاملة في عالم الشبكة أكثر تداولاً منها في دُنْيا الواقع، ولأن المتقاربين فكريًّا أو مزاجيًّا في الواقع قد تَحُول الصورة والنسب وغير ذلك دون قبول أحدهما للآخر أو تعلّقه به، لكنَّ التقارب في وجهات النظر والثقافة والمزاج في عالم الشبكة يُفضِي لتقاربٍ نفسيٍّ، وربما تعلّق قلبي دون شك، وأبواب الاستشارات في المواقع الدينية والاجتماعية تشهد بذلك، وكم من رجل وامرأة لم يكن بينهما إلاَّ تدارس بعض العلوم النافعة مدة من الزمن، انتهى الأمر بتعلُّق أحدهما بالآخر! ومَن شاءتْ أن تتأكَّد فدونها محركات البحث، ولئن كان الرجل الساقط يلفته العبث والمجون، فإن المتدين يلفته الحياء والتعفُّف، والمتعلم تلفته النباهة والثقافة، وكثير من الناس تعجبهم خفةُ الدم واللطف، والأمر كذلك بالنسبة للمرأة، ومشاعر الإعجاب والحب لا تستأذن العقل قبل أن تداهم القلب.
لكن هل يُفهَم من هذا الكلام أن مقاطعة المنتديات أو غيرها من وسائل التواصل الإلكترونية ضرورة أخلاقية وشرعية؟ ربما كان ذلك حقًّا في حق كثير من الناس، غيرَ أن الانضباط بجملة من الضوابط مطلبٌ شرعيٌّ، وضرورة أخلاقية تعصم من الزلل - بإذن الله - ما دامت هناك حاجةٌ للتسجيل في المنتديات، وإلاَّ فيكفي الاستفادة مما يمكن الاستفادة منه دون مشاركة.
إن الله – تعالى - أمر المؤمنين بألاَّ يسألوا أمهاتِ المؤمنين متاعًا إلاَّ من وراء حجاب، والمؤمنون المخاطبون هم أزكى رجال هذه الأمة، والمؤمناتُ المعنيَّات هنَّ من أطهر نساء العالمين، ثم بيَّن المولى - جلَّ وعلا - العلة من ذلك بقوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، ولمَّا كانت طهارةُ القلوب مطلوبةً لكل المؤمنين على مرِّ الأعصار؛ فإن وسيلته لازمةٌ لهم جميعًا، ويتأكَّد هذا في المجامع التي لا تخلو من مسلمين وكفار، وأبرار وفجار، كفضاء الإنترنت، ولئن كانت المرأة في الواقع تحتجب خلف ما يستر شخصَها، فعليها في الشبكة أن تحتجبَ خلفَ معرّفها وتوقيعها، فلا حاجةَ لاتخاذ اسم يدل على أنها امرأة، لكن لا تدَّعي أنها رجل، والأسماء المشتركة ما أكثرها! فإن اتخذَتْه فلْيخلُ من كلِّ إثارة أو إشارة إلى ميوعة وانحلال، وإن كان ثمة حاجةٌ لتوقيعٍ، فلا تضع فيه صورة خليعة أوصورة ساقط، ولا عبارات وأبيات غير مرضيَّة أو لا تليق بها، ولا مسوغ في كثير من المنتديات التي يرتادها مَن ذَكَرْت لأن تعْرض الفتاة رقم جوالها أو بريدها.
ولئن كانت المسلمة مأمورةً في الواقع بعدم الخضوع بالقول؛ لئلاَّ يطمع الذي في قلبه مرض، فإن من صور الخضوع بالقول في الشبكة اتخاذَ الأسماء الماجنة المائعة مثل: ولهانة، عسل، دلوعة، وغيرها من الأسماء القبيحة المنتشرة، ومنها كذلك استخدام الرموز كالوجه الغامز أو الضاحك، أو الرمز الراقص، أو الذي يمد لسانه أو غيرها، ومنها كذلك مضمون الكلام، سواء كان في الردود والتعليقات أوالمواضيع المطروحة، أما الردود فينبغي أن تكون موضوعيَّة خاليةً من أيِّ تعبير عاطفيٍّ يدل على خضوع، فالخضوع في الكتابة كالخضوع بالقول وهو منهيٌّ عنه، وكذلك لتجتنبَ التطاول والبذاءة؛ فإن الفحش والبَذَاء خلق ذميم قيل أو كتب، ولْتحرصِ الأخت الفاضلة على أن تطرح الفكرة مباشرةً ولا تزيد على ذلك حشو القول إلاَّ بقصد الإفهام الذي ترى حاجة له، ولا مسوِّغ لدخول المرأة لموضوع توضع فيه صور الأعضاء، أو يدعو للاتفاق على مكان للتجمع والتعارف وما شابه ذلك، فضلاً عن التعليق فيه.
ولا مسوغ كذلك لطرح المواضيع المائعة، والاستشارات في القضايا الشخصية من قِبَل النساء، أو ذكر تجاربهن الشخصية أو ما شابه ذلك، بل ينبغي أن تنظر في مَن تستفتي أو تستشير؛ فما كلُّ مستشار ذو علم وأمانة.
ولئن كانت المؤمنات مأموراتٍ بمفارقة مجالس اللغو الواقعية، فهذا مطلوب كذلك من كل من تغشى المنتديات الافتراضية، وما أكثرَ مجالسَ اللغو والكذب فيه! والعاقلة لو تأمَّلتْ كثيرًا من الموضوعات وتفكَّرتْ فيما وراءها، عَلِمَت أن خلْفَها مقاصدُ خبيثةٌ، أو محاولةٌ للتهوين من منكر معيَّن، كتلك التي تستفتي الناس في قضايا شرعية، وربما دخل صاحبُها ومن شاكله بأكثر من معرف وبثُّوا شُبُهاتِهم بين الزائرين، وأوحَوْا للناس بأن العالم كلَّه يُخالف الفتوى المعيَّنة، وأن مشكلتنا أننا متعصبون، وربما قصدوا أن يُبيِّنوا أن الفعل المعيَّن هو مجرد تقليد لا علاقة له بالدين، ثم دخلوا بعدد من المعرِّفات؛ ليقولوا للناس: ما أكثرَ المتحررين من قيود التقاليد! فالْزموا غرزَهم، وسيروا في ركابهم، ولعلَّ من ذلك تلك الموضوعات التي تتناول بعض الجوانب الأخلاقية مثل: "هل تتزوج فتاة كلمتك عبر الماسنجر؟"
ثم يدخل العابثون ليقولوا: إن الأمر عاديّ، ويهاجمون كلَّ من يخالفهم ويتهمونه بالرجعية والشك، وعدم احترام المرأة، ومن تلك الموضوعات: مقالات القصص الملفقة التي يزعمون أنها حقيقية وغايتها الترويج للرذائل، أو كسر الحواجز بين المجتمع وبعض العادات الوافدة أوالقبيحة، ثم تنتشر في المنتديات العامة والمتخصصة، والتي لا علاقة لها بموضوع القصة، وتشعر بعض التعليقات بتصديقها؛ إمعانًا في الترويج لها.
ويكفي العاقلة للزهد في كثير من المنتديات ما تلقاه من الأذى على "العام" و"الخاص"، وضياع الأوقات، والتقصير في الأعمال وربما الصلوات، وأن كثيرًا من طُرَّاق تلك المنتديات وأبطالها هم العاطلون والفارغون وقليلو العلم وضعيفو الهمة، وأن كثيراً من المواد المنشورة فيها هي من وضعهم أو انتقائهم، وأنها في الغالب غير موثَّقة، وربما كانت غير صحيحة، بل حتى المنتديات الإسلامية المحترمة فيها من هو قليل العلم، ضعيف المدارك، طويل اللسان، جريء على الإفتاء والتخوين، والعاقلة ينبغي أن تعرف من أين تحصل على الفائدة وتطلب العلم.
ووصيتي لكِ - أختي المسلمة - إذا رأيت في أحد المنتديات كثرة ردود الرجال على موضوع إحدى العضوات، ورفعه والثناء عليه وعلى كاتبته، رغم تهافته وتفاهته، والإعراض عن المواضيع المفيدة لتضيع وسط ركام الموضوعات الفارغة - فاجتنبيه واحذريه؛ فإن هذا مؤشر واضح على العيِّنة التي ترتاد تلك المنتديات.
[/align]
شكرا لكاتبة المقالة أسماء عبد الرازق وجعلها الله في ميزان حسناته
مواقع النشر (المفضلة)