أشتاقُ إلى حفنةٍ من ترابي، لحظةَ الشوق إلى بقايا شبابي، وقلب تحلَّى الصبر فيه، وانتظَرَ علَّ من تولَّى يعود صافيًا وطارقًا بابي..
فأويتُ إلى ركن المشيب، وفي خيوطه بريقٌ أضاء ناصيتي، وبنوره كاد خصال السواد منه يرتاب، لكن أعماقي تأبى لقاء اللحظة؛ خشيةَ أن يحلَّ معها الهوى ويزداد فيها العذاب..
فنظرتُ بغضبٍ إلى نهر اللهفة والتمني، وهو شجي لا يبالي من شجوني وجزعي أي نهرةٍ أو خطاب، وظللتُ أنظر إليه حتى سكن قائلاً: لا تستكثري عليَّ التهادي؛ فما أنا إلا دموعٌ سكَبَها حسنُكِ الفياض، قلتُ: دعْك من حسني؛ فإنه كان من التراب، وحتمًا مآله إلى التراب، فاخشع وتضرع معي إلى غافر الذنب شديد العقاب.
وتأوهتُ آهة حطمتُ بها ألَمَ الحنين ومتاهاتِ السراب، يقينًا زال كلُّ حبٍّ لم يدم فيه الشوق للأحباب، كم آلمني غيابُ الودِّ بين الخلِّ والأصحاب!
وهممتُ لأبحث عن الحب الصادق وأطرق قلوب الناس، فما وجدتُ إلا قلوبًا هرمة عاشت بلا وجد ولا ألباب، نظرتُ إلى السماء أشتكي حالنا.. أبكي.
إني مللتُ صفير البغض بين القلوب، ونَوْحَ الهوى الكذاب..
يا رب: انزع غلَّها وكبرها، أُناجي ربي مُجري السحاب، ومفتح الأبواب.
أقول: يا رب، أين ذهب الحب
يا رب: دلَّنا إليه؛ فقد غاب عنا، وما كسَبتْ أيدينا من أفعالنا إلا الخراب.
يا رب: تداعى علينا الجهلُ، وافترس الحقد صدورَنا، وتركْنا الأخْذَ بالأسباب، وآثرنا المحاكاة التي دمَّرتنا وأنستنا شريعتنا، فبخلنا بالحمد والشكر، فلا لوم لنفس، ولا حتى عتاب.
ربَّاه أجِرْنا، أجرنا من سواد القلوب، ونقِّها أنت العزيز الوهاب، سيفنى الصبا والشباب وكلُّ شيء، ويا حسرة على العاصي يوم الحساب، فلا حبَّ بعد حبِّك يا ودود يا رحيم، لا شوق بعد الشوق إليك يا رقيبي، تجاوزْ عن سيئاتنا، أنت الوارث، أنت الحليم التواب.
أرق تحياتي
عفاف عبدالوهاب صديق
مواقع النشر (المفضلة)