علي بن أبي طالب
أبو الحسن علي بن أبي طالب الهاشمي
(13 رجب 23 ق.هـ/17 مارس 599 م)
(21 رمضان 40 هـ/ 28 فبراير 661م)
نشأته
ولد في مكة في 17 مارس 599م وأبوه هو أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف .
بعض ما ذكر في مولده – رضى الله عنه :
ذكر الحاكم في المستدرك (ج3 ص843) أن عليًا وُلد داخل الكعبة:
« تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه في جوف الكعبة » .
وذكر الكنجي الشافعي في كفاية الطالب (ص406) « بإسناده عن جابر بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله عن ميلاد علي بن أبي طالب، فقال: " ...فلما كانت الليلة التي ولد فيها علي أشرقت الأرض فخرج أبو طالب وهو يقول: أيها الناس، ولد في الكعبة ولي الله عزّ وجلّ، فلما أصبح دخل الكعبة وهو يقول :
يا رب هذا الغسق الدجيّ *** والقمر المنبلج المضيّ...الخ »
وذكر الحافظ الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين (ص80): « روي أنه لما ضربها المخاض، أدخلها أبو طالب الكعبة بعد العشاء، فولدت فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه »
وهو ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوج ابنته (فاطمة الزهراء) سيدة نساء العالمين، وأبوالسبطين - الحسن والحسين - سيدا شباب أهل الجنة. وعلى هو أول من أسلم من الصبيان ، فقد أسلم بعد السيدة خديجة – رضي الله عنها ، وأبي بكر الصديق، وقيل قبل أبي بكر، وعمره حينئذ عشر سنين أوخمس عشرة سنة، وهو من العشرة المبشرين بالجنة، تآخى النبي - صلى الله عليه وسلم- معه عندما آخى بين المسلمين، وقال له : أنت أخي في الدنيا والآخرة. نام في فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خرج مهاجرا، وتغطى ببردته ليعمى على المشركين المرابضين أمام بيت النبي - صلى الله عليه وسلم ، وأمره أن يؤدي ما كان عنده من الأمانات إلى أهلها. ثم هاجر متخفيا ماشيا فتورمت قدماه من كثرة المشي حتى قدم المدينة، وشهد بدرا وأبلى فيها بلاء حسنا، وشهد أحدا وأصيب فيها بست عشرة إصابة، وكان حامل اللواء بعد استشهاد مصعب بن عمير، وشهد المشاهد كلها إلا يوم تبوك، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - رده إلى المدينة واستخلفه على أهله وقال له: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ".
وفي يوم خيبر، أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية في أول يوم لأبي بكر، فلم يفتح له ، فأعطاها لعمر في اليوم الثاني فلم يفتح له ، فقال: " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه "، فأعطاها عليا، وفتح الله على يديه. وكان عليٌّ عالما يسأله الناس ولا يسألون بعده أحدا، وكان عمر يستعيذ من معضلة ولا أبا الحسن لها، وقد ولاه النبي - صلى الله عليه وسلم - قضاء اليمن، وعلىٌّ هو الذي قتل عمرو بن عبد ود فارس العرب الذى كانوا يعدونه وحده في الحرب بألف فارس . بايع أبا بكر بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعاونه، وبايع عمر من بعده وعاونه، وبايع عثمان وعاونه، وآزره في فتنته مؤازرة شديدة، فقد عرض عليه أن يأتيه بأبنائه فيقاتلوا دونه، ويفكوا حصاره، ولكن عثمان رفض حقنا للدماء، فلما قتل عثمان أجمع الناس على مبايعة علي بالخلافة، فبايعوه واختلف عليه بعض الناس، فتخلف معاوية في أهل الشام، وامتنعوا عن بيعته، وحاربه معاوية مطالبا بدم عثمان، وكانت فتنة شديدة على المسلمين، وقعت فيها موقعتان شهيرتان هما ( الجمل وصفين )، وبعدهما اتفق علي ومعاوية على التحكيم حقنا لدماء المسلمين، فخرج على علىّ فريق من أصحابه رفضا لقبوله التحكيم بينه وبين معاوية، وهؤلاء الذين خرجوا على علي هم ( الخوارج )، وقد قاتلهم علي - رضي الله عنه - وقتل كثيرا منهم، محققا بذلك نبوءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – له ، وقرر ثلاثة من الخوارج قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص، وتوجه كل واحد إلى الرجل الذي اختار أن يقتله، فلم يفلح منهم في هدفه غير قاتل علىّ وهو (عبد الرحمن بن ملجم)، ضربه غيلة وغدرا بسيف مسموم وهو في طريقه لصلاة الصبح في رمضان سنة أربعين للهجرة.
كان على بن أبي طالب - رضي الله عنه - واسع العلم، يسأله كثير من الصحابة، حتى قال ابن عباس: لقد أعطي علي تسعة أعشار العلم ، وايم الله لقد شاركهم في العشر العاشر.
خلافته
هو رابع الخلفاء الراشدين، بويع للخلافة سنة 656م بالمدينة المنورة ، وحكم خمس سنوات وثلاث أشهر وتوفي سنة 661م.
لما قتل عثمان يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وبويع لعلي بن أبي طالب بالمدينة الغد من يوم قتل عثمان بالخلافة بايعه طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعمار بن ياسر و أسامة بن زيد و سهل بن حنيف و أبو أيوب الأنصاري و محمد بن مسلمة و زيد بن ثابت و خزيمة بن ثابت وجميع من كان بالمدينة من أصحاب رسول الله وغيرهم.
و هكذا استلم الإمام علي الحكم بعد عثمان بن عفان، وقام بنقل عاصمة الخلافة من المدينة إلى الكوفة. وتخللت فترة حكم الإمام فتن ومعارك أثرت كثيرا في مستقبل الأمة الإسلامية كمعركة الجمل ومعركة صفين ولكن فترة حكمه توصف بالاستقرار وبأنها إحدى أزهى فترات الحكم الإسلامي حيث اتصفت بالكثير من المنجزات المدنية والحضارية منها بناء السجون ، وتنظيم الشرطة وإنشاء مراكز متخصصة لخدمة العامة كدار المظالم ومربد الضوال ، وكان يدير أمر الدولة انطلاقا من مركزه الحكومي دار الإمارة، كما ازدهرت الكوفة في عهده وبنيت بها مدارس الفقه والنحو وقد أمر الإمام علي بن أبي طالب أبا الأسود الدؤلي بتنقيط وتشكيل حروف القرآن الكريم لأول مرة.
ألقابه
من ألقابه:أمير المؤمنين - أبو الحسن - أبو الحسنين -أبو الريحانتين - يعسوب المؤمنين - أبو تراب - وليد الكعبة - مبيد الشرك والمشركين - قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين - ولي أمر المؤمنين - زوج البتول - أبو السبطين - أمير البررةِ - قاتل الفجرة - صاحب اللواء - الصديق الاكبر - الفاروق الأعظم - وسيد العرب ، و خاصف النعل ، والشاهد ، وباب مدينة العلم ، وغرة المهاجرين ، وصفوة الهاشميين ، والكرار غير الفرار ، وأبو الأرامل والأيتام ، وهازم الأحزاب ، وقاصم الأصلاب ، قتال الألوف، ومذل الأعداء ، ومعز الأولياء، وأخطب الخطباء ، و قدوة أهل الكساء أبوالشهداء، و أشهر أهل البطحاء ، و مثكل أمهات الكفرة، ومفلق هامات الفجرة ، وومميت البدعة ومحيي السنة، وموضع العجب ، وليث الغابة، والخليفة الأمين ، و العروِة الوثقى ، وابن عم محمد رسول الإسلام، و غيث الورى، ومصباح الدجى ، و الضرغام ، والهاشمي المكي المدني الأبطحي الطالبي ، وغير تلك الألقاب الكثير.
أحاديث في شأنه
ورد في شأن الإمام علي أحاديث كثيرة، تبين فضائله و عظم مكانته منها:
حديث الغدير
أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزل بـغدير خم ؛ أخذ بيد علي فقال : "أ لستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ ! " ، قالوا : " بلى" ، قال : " ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ !" ، قالوا : "بلى" ، قال : "اللهم ! من كنت مولاه ؛ فعلي مولاه ، اللهم ! وال من والاه ، وعاد من عاداه" ، فلقيه عمر بعد ذلك ، فقال له : "هنيئا يا ابن أبي طالب ! أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة". ( رواه أحمد في المُسْنَد، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة)
حديث الراية
قال النبي يوم خيبر : "لأعطين الراية غدا رجلا يفتح على يديه ، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله". فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى ، فغدوا كلهم يرجونه، فقال: "أين علي؟". فقيل: "يشتكي عينيه"،فمسح على عينيه ودعا له ، فبرأ كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه ، فقال علي: "أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟" فقال : "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم ، فوالله لأن يهدي الله رجلا بك ، خير لك من أن يكون لك حمر النعم" (رواه البُخاري في "صحيح البُخاري)
حديث الكِساء
تروي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق أنه خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداةً وعليه مَرْطٌ مُرَحّلْ -أي عباءة-، من شَعْرٍ أسود. فجاء الحسن بن علي فأدخله -أي تحت العباءة-. ثم جاء الحسين فدخل معه . ثم جاءت فاطمة فأدخلها . ثم جاء علي فأدخله. ثم قال -تاليًا هذه الأية الكريمة-: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" (الأحزاب:٣٣) (رواه البخاري في صحيح البُخاري)
حديث الشوق
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الجنة تشتاق إلى ثلاثة : علي وعمار وسلمان " (حديث حسنٌ رواه الهيثمي في "مَجْمَعِ الزوائد}
حديث المنزلة
خلّف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، في غزوة تبوك. فقال: " يا رسول الله ! تخلفني في النساء والصبيان؟"، فقال " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ غير أنه لا نبي بعدي" (رواه البخاري في صحيح البُخاري)
آية الولاية
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}
روى ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن كهيل قال: تصدَّق علي بخاتمه و هو راكع، فنزلت " إنما وليكم الله و رسوله " ولابن مردويه من رواية سفيان الثوري عن ابن سنان عن الضحاك عن ابن عباس قال: كان علي قائمًا يصلِّي، فمرَّ سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت. وروى الحاكم في علوم الحديث من رواية عيسى بن عبد الله بن عمر بن علي حدثنا أبي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال: نزلت هذه الآية "إنما وليكم الله ورسوله…الآية" فدخل رسول الله المسجد والناس يصلُّون بين قائم وراكع وساجد وإذا سائل فقال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - أعطاك أحد شيئًا قال:لا إلا هذا الراكع يعني عليًا أعطاني خاتمه. رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ وعن ابن مردويه من حديث عمّار بن ياسر .
أزواجه وابناؤه
فاطمة الزهراء بنت محمد بن عبدالله.
أم: الحسن بن علي - الحسين بن علي - المحسن بن علي مختلف عليه - زينب بنت علي (زوجة عبد الله بن جعفر) - أم كلثوم بنت علي .
أم البنين فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية.
أم: العباس بن علي - عثمان - جعفر - عبدالله استشهدوا جميعًا بكربلاء.
ليلى بنت مسعود بن خالد التميمية.
أم أبي بكر -استشهد بكربلاء- وعبيد الله - قتله المختار الثقفي-.
الصحابية الجليلة أسماء بنت عميس الخثعمية.
أم يحيى وعون.
أم حبيبة بنت زمعة بن بحر التغلبية.
أم عمر ورقية.
أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفية.
أم رملة الكبرى وأم الحسن.
ابنة امرئ القيس بن عدي بن أوس الكلبية.
ولدت له ابنة واحدة ماتت صغيرة.
أمامة بنت أبي العاص بن الربيع العَبْشَمِيّة (أي من بني عبد شمس)،وأمها زينب بنت محمد رسول الله.
أم محمد الأوسط.
خولة بنت جعفر بن قيس الحَنَفِيّة.
أم محمد الأكبر وهو محمد بن الحنفية، و ذلك نسبة إلى أمه التي من قبيلة بني حنيفة
حفيداته
نفيسة بنت الحسن بن علي : تزوجها أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير بن العوام. أنجبت له (أم الحسن بنت عبد الله بن الزبير).
سكينة بنت الحسين بن علي : واسمها الحقيقي آمنة، أمها الرباب بنت امرؤ القيس الكلبية، تزوج سكينة أمير الكوفة مصعب بن الزبير بن العوام ثم استشهد، وأنجبت له ابنة اسمها (الرباب).
فتزوجت زيد بن عمر بن عثمان بن عفان الأموي، ثم تزوجت عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام بن خويلد، ثم تزوجت الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي.
فاطمة بنت الحسين بن علي : أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التَيْمي. تزوجت فاطمة من ابن عمها الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وثم من عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي.
زينب بنت الحسين بن علي
تراثه
يعتبر كتاب " نهج البلاغة " من أهم الكتب التي تحتوي على حكم وأقوال الإمام علي بن أبي طالب، كذلك للإمام علي ديوان شعر يعرف باسم " أنوار العقول " جمعه قطب الدين الكيدري وهو ديوان عجيب النظم بليغ فيه أشعار بقوافي جميع أحرف الهجاء. وللإمام علي مصحف محفوظ بمتحف صنعاء كتب بخطه .
من أقواله:
« أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه ، والعلم مخزون عند أهله قد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه» .
وقد قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان:
« قول علي ابن أبي طالب يا مالك إن الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، هذه العبارة يجب أن تعلَّق على كلّ المنظمات، وهي عبارة يجب أن تنشدها البشرية » وبعد أشهر اقترح عنان أن تكون هناك مداولة قانونية حول كتاب الإمام علي إلى مالك الأشتر. اللجنة القانونية في الأمم المتحدة، بعد مدارسات طويلة، طرحت هل هذا يرشح للتصويت؟ وقد مرّت عليه مراحل ثم رُشِّح للتصويت، وصوتت عليه الدول بأنه أحد مصادر التشريع الدولي.
و من شعره:
أشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك
ولا تجـزع من الموت إذا حـل بواديك
فإن الدرع والبيضة يوم الروع تكفيك
كما أضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيك
اغتياله
وكان علي يصلي صلاة الصبح في مسجد الكوفة وهو يؤم المسلمين، وعندما سجد علي في صلاته قام عبدالرحمن بن ملجم بضرب علي بالسيف على رأسه فقال علي قولته المشهورة بين المسلمين " فزت ورب الكعبة " وظل السم يسري بجسده إلى أن توفي بعد الضربة بثلاثة أيام. وكان عبدالرحمن بن ملجم قد اشترى السيف الذي ضرب به ونقعه بالسم. و تولى غسله و تجهيزه ابناه الحسن بن علي و الحسين بن علي و دفن في النجف. وبذلك يكون علي بن أبي طالب وليد الكعبة و شهيد المحراب.
مواقع النشر (المفضلة)