برز مجال التحليل والتشخيص بشكل ملفت للأنظار في العقدين الماضيين من خلال توسعه الكبير وشموله الكثير من الأمراض والعلل مشرقا على عالم جديد يتعدى فيه تشخيص المرض أو الميكروب فقط ليصل إلى آفاق جديدة متمثلة في سبر أغوار الجينات فيحلل ويشخص المرض قبل وقوعه بأعوام ويقدم الحلول لتجنب المرض والوقاية منه وتغيير نمط الحياة. يضاف إلى ذلك اختزال الزمن المطلوب للتحليل عن طريق تطوير التقنيات المستعملة لتصل المدة إلى ساعات قليلة بعد أن كان يحتاج إلى يوم أو اكثر فتحليل الميكروبات الذي كان يحتاج ما بين 12 – 24 ساعةاصبح لا يتطلب اكثر من ثلاث ساعات فقط . وتشخيص الفيروسات مثل الايدز الذي كان يحتاج إلى 14 يوما اختزل إلى يوم واحد. ومع كل هذا فإن الدقة العالية هي السمة الأهم التي ميزت هذه التحاليل
من هنا اكتسب هذا النوع من الآلات تسمية التشخيص المبكر التي تعني كسب المزيد من الوقت وبالتالي تقليل الجهد ونوع وفترة العلاج المطلوب لان المرض في بداياته أو لم يحدث بعد . فالاختبارات الطبية ستحدد احتمالية حصول و تطور المرض إما من خلال قياس كمية الإنزيمات في الدم أو من خلال التشخيص الجيني أو قياس مادة لم تكن معروفة سابقا أو لم تعطى الاهتمام الكافي ، أو عن طريق إدخال الحاسوب في عملية التحليل لذلك فقد سعت الشركات المنتجة والمطورة لهذه الآلات إلى التنافس في هذا المجال منتجة كل ما ينفع البشرية ويحد من خطر الأمراض والأوبئة . وبسبب تعقيد الجسم البشري فأن سبر أغواره تعتبر عملية لا منتهيةلان أي مادة في الجسم لها دلالة معينة فأي نقصان أو زيادة في بروتين أو هرمون ما تدل على وجود اختلاف في الجسم سيؤدي إلى حصول مشكلة تختلف باختلاف هذه العلامةلذلك فقد تنوعت الأبحاث في هذا المجال ولمختلف أعضاء الجسم بعض هذه الأبحاث استند على أسس معروفة سابقا وبعضها مكتشف حديثا . لذلك فأن الدخول في مثل هذا المجال يحتاج إلى خلفية كبيرة من المعلومات للوصل إلى فهم كامل لآلية عمل مثل هذه الآلات
القلب والدورة الدموية
تعتبر أمراض القلب المسبب الرئيسي للوفاة في العالم لذلك فأن وجود أي زيادة أو نقصان أو علامة جديدة لها علاقة بالقلب تدل على احتمالية الإصابة بمرض أو مشكلة ما في القلب أو الدورة الدموية . وقد وجد العلماء أن ارتفاع مادة هيموسيستين Homocysteine، في الدم تدل على احتمالية الإصابة بأحد أمراض القلب لان ارتفاع هذه المادة إلى مستويات عالية سيؤدي إلى تدمير الشرايين ويعتبر هذا عامل خطر مستقل مشابه لما يسببه التدخين وزيادة تركيز الكوليسترول والدهون في الدم
لدى آلة التحليل الجديدة إمكانية قياس مستوى الهيموسيستين في الدم فإذا ازداد الهيموسيستين عن المستوى الطبيعي (12 مايكرومول لكل لتر) ، فيمكن بسهولة تعديله عن طريق زيادة فيتامين ب (B) وحامض الفوليك Folic acid في الغذاء أو إعطاءها كمكملات غذائية لتعويض النقص الحاصل
*طور العلماء طريقة اختبار جديدة للكشف عن الأمراض القلبية والشريانية عن طريق فحص الدم دون أية جراحة أو إزعاج للمريض وهي زهيدة التكاليف ولا تستغرق سوى دقائق. وتعمل من خلال اخذ بضع قطرات من الدم ثم تحليل الخصائص المغناطيسية للجزيئات في الدم باستخدام الأمواج الصوتية ذات الترددات العالية التي يجري تحليلها عن طريق استعمال برنامج كومبيوتر متقدم جدا قادر على كشف الأنماط غير الطبيعية للمؤشرات المتعلقة بأمراض القلب.
*اختبار جديد لاكتشاف تجلط الدم ، اعتمد من قبل منظمة الغذاء والدواء الأمريكية FDA لتشخيص الخثار الوريدي العميق DVT - Deep Vein Thrombosis ، الذي يمكن أن يحدث في الذراع أو الساق كنتيجة لورم أو جراحة أو عدم الحركة لفترة طويلة أو حصول كسر وخصوصا في عظمة الساق أو استبدال مفصل الركبة أو الورك ، والذي يمكن أن تتحرك منه جلطة دموية صغيرة في الأوردة باتجاه القلب أو الرئتين . والذي يسبب اكثر من 100000 حالة وفاة سنويا في الولايات المتحدة الأمريكية
*هناك عدة اختبارات تجرى عادة لتشخيص مثل هذه الحالة منها اختبار بالأمواج فوق الصوتية ، أو عن طريق تصوير الوريد شعاعيا Veinography ، لكن ما يميز الاختبار الجديد هو قدرته على تحديد الخثار الجديد وتمييزه عن الخثار القديم . فالخثار الجديد يكون غير مستقر بصورة اكبر من الخثار القديم لذلك فاحتمالية وصوله إلى الرئتين كبير جدا ، وبالتالي إحداث الجلطة الصدر
*تعمل هذه التقنية على تحديد الببتايد الدائري Cyclic Peptide الذي يختص بالارتباط بمستقبلات الصفيحات الدموية الموجودة في الجلطات الحديثة فقط . عندما يرتبط الببتايد بمواد مشعة مثل التكنينيوم 99 ( Tc 99 ) ، فأن ذلك يمكن تميزه مباشرة وتحديد مكان الجلطة باستخدام أشعة كاما . يتميز هذا الجهاز بقدرة كبيرة على تحديد الجلطات الخطرة ، وسيكون أداة فعالة في يد الأطباء لمواجهة مثل هذه الأزمات .
*جهاز آخر جديد سيتمكن فريق الطوارئ والإسعاف من خلاله تشخيص مرضى الخثار الوريدي العميق والجلطة الرئوية خلال عشرة دقائق فقط أي قبل وصول المريض إلى المستشفى. وذلك من خلال ربط آلاتهم بمختبر التحاليل للحصول من خلالها على تحليل سريع لمادتي التروبونين تي Troponine-T ، والكلوبين العضلي Myoglobin . ستستعمل هذه الآلة كذلك لتشخيص أنواع مختلفة من الجلطات التي تحدث في الرئتين
الأمراض المعدية
يعتبر التشخيص المبكر مهم جدا في مراقبة انتشار الأمراض المعدية والتحكم فيها. ولأهمية هذا الموضوع ، فقد قامت العديد من الشركات باختراع وتطوير أنواع مختلفة من أجهزة التحليل لتعمل على الكشف المبكر للأمراض المعديةفي محاولة للحد من انتشارها فتم إنتاج أجهزة حديثة لتحديد البكتريا أو الخميرة أو الفطر المسبب للمرض من العينات الطبية في اقل من ثلاث ساعات. وقد صممت آلة حديثة لغرض الأبحاث الوبائية Epidemiological لأربعة من أهم وأكثر الميكروبات انتشارا : ستافلوكوكس Staphylococcus ، وسيدوموناس Pseudomonas ، وانتروكوكس Enterococcus ، والكانديدا Candida . بالإضافة إلى تحليل ل انتروكوكس المقاومة للفانكومايسين Vancomycin resistant Enterococcus ، وآخر ل ستافلوكوكس أريس المقاومة للميثسيلين Methicillin resistant staphylococcus aureus - MRSA. تمتاز هذه الآلة بالسرعة في إعطاء النتائج . لذلك فهي تمثل سلاح مهم جدا في الكشف المبكر عن الجراثيم وفي منع نشوء مقاومة للمضادات الحيوية من خلال تحديد الأجيال المقاومة بشكل أسرع .
*أما بالنسبة للفيروسات فتعتبر الأمراض التي تسببها الأخطر على وجه الأرض ، ويعود السبب في ذلك إلى صعوبة تشخيصها ومعرفة النوع الجيني لها بالإضافة إلى عدم توفر العلاج المطلوب لها ، والاختيار الخاطئ للعلاج . وقد تمكن العلماء من تطوير الآلة جديدة لتحديد النوع الجيني للفيروسات ، ومنها الفيروس المسبب للالتهاب الكبد الوبائي . سيساعد ذلك الأطباء على اختيار الدواء المناسب للعلاج ، تبعا لنوع الفيروس المسبب للالتهاب ، مما يخفض من نسبة حدوث الآثار الجانبية التي يمكن أن تنتج عن العلاج غير المناسب.
*نوع جديد من أدوات التحليل يعمل على تحديد نوع الميكروب المسبب للمرض بعد دخول الميكروب للجسم بأربعة أيام فقط ( يحتاج الميكروب في العادة إلى فترة حضانة طويلة نسبيا في الجسم لكي يسبب المرض قد تستمر لأسابيع أو شهور ) ، وعادة لا يمكن تحديد الميكروب المسبب للمرض إلا بعد أن يصل إلى مستوى عالي في الدم .
*تعتمد هذه الطريقة على تحليل مضاد الأجسام Antibody في مصدره أي في خلايا بيتا اللمفية B Lymphocytes ، قبل أيام من تحرره وانتشاره في مجرى الدم . علما أن لهذا الجهاز قدرة على التمييز بين مضادات الأجسام الجديدة التي تتكون نتيجة مقاومة العدوى الجديدة ، ومضادات الأجسام القديمة والموجودة أصلا في الدم نتيجة عدوى سابقة أو تحفيز مناعي سابق .
السرطان
ستكون لنتائج التشخيص المبكر تأثير كبير في علاج مرض السرطان . لأنه كلما كان الورم السرطاني صغيرا ، كلما كانت عملية علاجه والسيطرة عليه اسهل واضمن في تحقيق النجاح .
*طور العلماء الآلة جديدة للتشخيص المبكر لسرطان المثانة Bladder cancer تعتبر أكثر دقة من أدوات التشخيص السابقة . فقد وجدوا أن المرض يعود في 70% من الحالات التي تعالج ، بسبب عدم الدقة في التشخيص والعلاج لعدم تحديد حجم السرطان ( عدد الخلايا السرطانية ) .
*آلية عمل هذه الأداة تعتمد على تزويد المثانة بمادة حساسة للضوء Photosensitser ، يتبع ذلك تنشيط هذه المادة من خلال تعريضها إلى مصدر ضوئي خاص. تتجمع المادة الحساسة للضوء في الخلايا السرطانية مصدرة لون احمر عند تعريضها للضوء ، مما يجعل هذه الخلايا واضحة تماما . أثناء التجارب ، حدد هذا الاختبار الجديد اكثر من 30% من الخلايا السرطانية في المثانة من الاختبارات القديمة.
*أما بالنسبة لسرطان عنق الرحم Cervical cancer ، فقد استعمل في السابق اختبار اخذ العينة ( مسحة Smear ) من الرحم لتشخيص المرض . في دراسة حديثة وجد أن اختبار الدي إن آه DNA لفيروس الحليمة البشري HPV عند النساء ممن تجاوزن 30 عاما ، أكثر فعالية من اختبار العينة لوحده في تشخيص سرطان الرحم والعوامل المنذرة به ، على اعتبار أن هذا الفيروس هو أحد مسببات هذا النوع من السرطان . وقد اعتمد هذا الاختبار من قبل وكالة الغذاء والدواء الأمريكية FDA ، وتصل دقته في تشخيص المرض إلى 97.1% مقارنة مع الاختبار الأول لوحده والذي تصل دقته إلى 67.6% .
*هناك اختبار آخر لتشخيص 17 نوعا خطرة من فيروس الحليمة البشري HPV ، باستخدام شريحة الدي إن أ DNA ، ويسمح هذا الاختبار بتشخيص الفروقات بين أنواع الفيروسات وزيادة سرعة التشخيص المبكر .
*تقنية جديدة لتشخيص سرطان الرئة ستمكن الأطباء من التمييز بين الأورام الحميدة والأورام الخبيثة التي تصيب الرئة ، والتي تشخص عادة باستخدام أشعة اكس X-rays . ففي الولايات المتحدة الأمريكية يشخص سنويا اكثر من 170000 حالة جديدة من سرطان الرئة، وتحتاج التحاليل وأدوات التشخيص لفترة زمنية بالإضافة إلى ما تسببه بعض العمليات من ألم للمرضى عادة .
*إلا أن التقنية الجديدة لا تتعدى كونها حقنة في الذراع ، تتبعها عملية تصوير بسيطة بعد ساعة أو ساعتين من الحقنة . يعتمد هذا التشخيص على مادة سوماتوستاتين ، وهي عبارة عن ببتايد دائري ينتج بصورة طبيعية في الجسم ، وترتبط هذه المادة عادة بالأورام السرطانية في الرئة بقوة ، من خلال مستقبلات سوماتوستاتين . وقد قام العلماء بتصنيع مادة السوماتوستاتين في المختبر ثم ربطها بمادة التكنينوم 99 المشعة. وبعد الحقن تتم عملية تصويره باستخدام أشعة كاما . ويمكن لمادة سوماتوستاتين من التميز بين الأورام الخبيثة والأورام الحميدة من خلال الارتباط بالأورام الخبيثة فقط.
يُتبع ..
مواقع النشر (المفضلة)