+ الرد على الموضوع
صفحة 9 من 21 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 19 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 45 من 105
  1. #41
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4388

    افتراضي رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة

    الحلقة الواحدة والاربعون

    أخرج الشيخان أنه عليه السلام قال " الرؤيا ثلاث : رؤيا صالحة من الله يبشر بها عبده ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث المرء نفسه ".

    ــــــــــــــــ

    موضوعه : من أعظم مكارم الايمان الامن النفسي ومن أعظم محاسن التوحيد قوة الارادة : دعني في البداية أقص عليك ماجرى لي بالامس ورب الكعبة إذ رن جرس الهاتف في بيتي فإذا المتكلم جارة كريمة لنا تربطنا بها روابط الدين والوطنية تطلب مني تدارك أمر قريبتها المفزوعة في إثر رؤياها في نومها لجارتها الميتة منذ سنوات بعيدة تزورها في بيتها لتأخذها معها ومما قالته الجارة أن الرائية تحولت حياتها إلى جحيم لا يطاق منذ هذه الحادثة فهي تبكي صباح مساء وهي تفكر في أمر جنينها وقد أزفت ساعة نزوله من يكفله من بعدها فهي ميتة لا محالة . ومن أقداره سبحانه أني كنت أنوي الحديث في أمر الرؤى ضمن هذه السلسلة فكانت تلك الحادثة مبعث تعجيل من ناحية ومصدر حزن عميق من ناحية أخرى حتى أني لم أزد جوابا لجارتي المكلفة من لدن قريبتها بالبحث عن " رجل دين " يؤخر هذا القدر المحتوم بالموت المشؤوم إلى حين نزول الجنين بقولي " لاتزيدي على قولك لها آمني بالله سبحانه " والحقيقة أني كنت أنوي إضافة شئ لم أقله وهو " لاشك أن إيمانك به مدخول إلى درجة سافلة لا تصدق ". وليست هذه هي المرة الاولى التي أتعرض فيها إلى مثل هذه المضحكات المبكيات وخاصة من لدن النساء في مسألة الرؤى ولو كانت دنيانا على غير النظام السائد اليوم لعقدت لمثل هذه الفاجعات مؤتمرات وطنية ولعدها الناس في برنامجهم اليومي القضية الوطنية الاولى وليس ذلك سوى لفرط ما تشتت به الاسر وتحطم بها الانسان وتؤخر به العمل وتهدد به الطفولة وقضايا التعليم والتربية غير أن الذي لايجعلها كذلك هو تأخر ما يسميه الملحدون إستهزاء بالميتافيزيقيا ويرتبون على ذلك إلغاء الاهتمام العقلي بالجانب النفسي والغيبي والروحي والعاطفي من الانسان فيتحول الانسان في إمبراطوريتهم إلى بغل قوي العضلات يلهث صباح مساء من أجل دكتاتورية البروليطاريا والصراع الطبقي أما أحاسيسه ومشاعره وعواطفه ونفسه وهمومه الداخلية وأشواقه المداسة فليس له سوى معالجتها بالفرار منها إن إستطاع أو تكذيب نداء الاديان جملة أو التردد على العيادات النفسية التي لا يؤمن أهلها بالله أصلا وفاقد الشئ لا يعطيه كما تقول العرب واليوم أحتكرت تلك العيادات من لدن طبقة العرافة والكهانة والدجل فلا تزيد العائذ إليها سوى وهنا.

    الحل واحد وهو فقه رسالة الاسلام النفسية ثم تمثلها إرادة : لوجاز لنا أن نقول ما أصدق هذه الاية بما لا يفيد نفي ذلك عن غيرها أو التهوين منه لقلت ألا ما أصدق قوله سبحانه " ياحسرة على العباد " فهي حسرة وزفرة وشعور عميق والله بالحزن يغشاني كلما إستحضرت حالة ملايين مملينة من النساء خاصة اللائي يحملن الاسلام رسما كابرا عن كابر غير أن فعله فيهم تغييرا إلى الاحسن أمنا وسعادة وقوة وثقة ويقينا وأملا كمتدثر بثوبي زور أو كمتشبع بما لم يعط كما قال التعبير النبوي في مواضع أخرى ولو جاز لنا أن نقول ما أروع هذا الجانب في الاسلام بما لا يفيد نفي ذلك عن غيره لقلت لو لم يأت الاسلام بسوى تعمير النفس البشرية بالامن النفسي الذي يغمرها بالشكر في السراء والصبر في الضراء والايمان تسليما بالقضاء لكفاه فخرا بين الاديان وبين النظريات البشرية التي تحاول إلغاءه أو التهوين من شأنه وياحسرة على العباد الذين لا يوقنون بأن الامن والسلام والسعادة والرخاء والهناء والعيشة الطيبة الكريمة الحسنة والامل وكل ما ينتمي إلى تلك العائلة إنما ينبع منهم هم أولا فإن فقدوا ذلك فيهم فلن والذي نفسي بيده يجدوا له ريحا وياحسرة على العباد حقا حين لا يفهمون الاسلام على أنه مرفأ دافئ تحن إليه النفس المتعبة المنهوكة المكدودة المهدودة الشقية المحاصرة المطاردة وياحسرة على العباد الذين تجمع أفئدتهم ـ رغم أن القانون الطبيعي يقول بأنه ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ـ بين الايمان وبين الخوف والفزع والجزع والهلع والتمزق إربا إربا بسبب رؤيا ليلا أو حادثة يوما فهل يصلح هؤلاء للدنيا أم أن الدنيا تصلح لهم وهل يرتقب منهم حسن سفارة عنه عليه السلام وهل يهابهم عدو وهل يحررون وطنا وهل ينشؤون أسرة ويربون ولدا ويبعثون أمة ؟

    أهم ما جاء به الوحي الكريم في شأن الرؤى : أما القرآن الكريم فلم يتناول الشأن إلا قليلا وذلك في معرض القصة فحسب وأكبر ما جاء ذلك في قصة يوسف وهو يمتن عليه بتعليمه تأويل الاحلام وقد قام بتأويل ثلاثة رؤى إثنتين لصاحبيه في السجن وواحدة للملك ثم ما جاء في رؤيا إبراهيم في ذبح إسماعيل ومعلوم أن رؤيا الانبياء حق فهو إما أمر أو واقع لا محالة فهي جزء من الغيب الصحيح والقضاء المقدور. أما السنة فقد ورد فيها بضعة أحاديث في ذلك منها ما يفصل مستويات الرؤيا كما هو الحال اليوم ومنها ما يعلمنا الادب حيال كل نوع منها كما أخرج البخاري عن أبي قتادة " الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث حين يستيقظ ثلاث مرات ويتعوذ من شرها فإنها لا تضره " ومنها ما يميز بين رؤى المؤمن وغيره كما أخرج البخاري عن أبي هريرة " إذا إقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن وهي جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة " وتعدد رواته فمنهم عبادة بن الصامت وأنس ومنها ما يختص برؤياه هو عليه السلام كما أخرج البخاري عن أبي هريرة " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي " ومنها ما يخص العلاقة بين صدق الرؤيا وبين سلوك المؤمن " أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا " وسماها مبشرات لم يعد بعد النبوة سواها للمؤمن ومنها ما يرهبنا من الكذب في الرؤيا " من حدث بما لم يركلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ".

    السلوك الاسلامي حيال الرؤى وقاية وعلاجا : أما وقاية فلابد من تحقيق الايمان في النفس تحقيقا يعسر معه تسلل الشيطان إلى حصونه بغير الوسوسة التي لا يتخلص منها كائن من كان من غير المعصومين لانها ضربة لازب للابتلاء مقصد الخلق ومادة الامتحان وليس كوسيلة النظر شئ لتحقيق الايمان العاصم من الاهتزاز النفسي الكفيل بجعل أكبر وأول عدو للانسان أي الشيطان يسرح ويركض حرا طليقا ومما يوطد عرى تلك القوة الايمانية الاقبال على العبادات المفروضة وخاصة منها التلاوة والذكر والتفكر وبوجه أخص أدعية المناسبات كالدخول والخروج ومباشرة الامر والانتهاء منه وإستصحاب مقاطع قرآنية معلومة وخاصة أية الكرسي وخوايتم البقرة والاخلاص والمعوذتين وليس كالاخلاص عدوا لدودا للشيطان فهو لايبرح يفسده ومن وسائله إفساد الاخلاص بالاخلاص ولا نتكلم الان فيه لضيق المجال وأما علاجا فلابد من تحقيق أصح الفهم بداية وبخاصة أن الاسلام الذي تقلدته ليس له من وظيفة سوى عداوة الجهل والمرض ومنه النفسي والفقر ومنه فقر الارادة الكفيلة بإذنه سبحانه بدفع الفقر المادي وتلك الوظائف تتحقق عبر تقوية النفس وتأهلها للامل واليقين والثقة والامن الداخلي الذي يوفر التوكل والعزم والمضاء ومعافسة المصاعب وليس أصدق من قولة الامام علي " إذا هبت أمرا فقع فيه فإن الوقوع فيه أهون عليك من الخوف منه " فالاسلام يعمر الدنيا بتعمير النفس الداخلية للانسان فإذا فشل مشروعه في محطته الاولى فلن يثمر بعد ذلك شيئا وبعد المعالجة بحسن الفهم يكون حسن التنزيل ومنه أن صدق الكلام في النهار يؤدي إلى صدق الرؤيا في الليل وهو معيار صحيح دقيق لصدق الرؤيا ثم يحدث الرائي برؤياه التي إستحسنها من يحبه ويثق فيه ولايكون ذلك بالضرورة لتعبيرها أو تأويلها فذلك فن وموهبة وعلم تخصص فيه رجال من مثل إبن سيرين ولايكون الرجل صادق التعبير في الرؤيا له ولغيره حتى يكون من أقرب الناس إلى الله لانه يتكلم بإسمه ويحدق في غيبه ويستلهم من علمه وهو قضاء لما يقدر أي لما يقع فهو غيب لا يطلعه سبحانه سوى على من أحب وليس هو دنيا يصيب بها من آمن وكفر سواء بسواء وبعد تأويل الرؤيا يجب أن يعتقد الناس أن ذلك لا يعدو أن يكون إجتهادا من الرائي في صحة النقل وإجتهادا من المعبر في صحة التأويل فإن جزم بذلك فقد قدم بين يدي الله وقال عليه بغير علم وتعدى حدوده كما عليه أن يؤمن دوما أن ذلك حتى على فرض صحته نقلا وتعبيرا غيب مقضي عنده سبحانه مالم يصبح قدرا مقدورا بين الناس فإن ألف صارف وصارف مأذون له منه سبحانه في إبطاله ومنه الدعاء ومنه قوله " يمحوالله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب "أما حال تحزين الشيطان فالواجب العمل بسنته عليه السلام في ذلك أي التفل والاستعاذة أي ضمان عدم الضرر بإذنه سبحانه .

    فالخلاصة هي إذن أن الرؤيا سواء كانت صالحة أو تحزين شيطان أو حديث نفس لا تصلح أن تكون في عقيدة المؤمن المتيقن من ربه والواثق برسالته والمملوء أملا وتوكلا وقوة بربه مصدر غيب شرا كان أو خيرا محققا لايطاله شك كأنه قضاء مقدور أو حياة معيشة ولامصدر تشريع فهي إذن محطة إبتلاء سواء بالبشارة التي قد تتحقق لو لم يمحها سبحانه بسبب لا نعلمه أو بالتحزين الشيطاني الذي يلاحق الانسان حتى في نومه ليزداد إيمانا بأن أعدى الاعداء ليس هو سوى الشيطان أو بحديث الاماني رغبا ورهبا وهو الجزء الذي توصل إليه العلم الحديث في شأن الرؤى المنامية كما قال بذلك فرويد وغيره وذلك هو مبلغهم من العلم ظاهرا من القول أما ساحة الحرب الحقيقية فهي ساحة اليقظة بسائر مسؤولياتها .

     
  2. #42
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4388

    افتراضي رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة

    الحلقة الثانية والاربعون

    أخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة عليه الرضوان أنه عليه السلام قال " أتدرون ما المفلس ؟ قالو المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفلك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ".

    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ

    من شواهده " يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت أو كسبت في إيمانها خيرا ".

    موضوعه : شر الازمات في هذه الدنيا : الافلاس القيمي والتضخم الديني وهما سببا العجز الاخلاقي والمديونية الحادة .

    هذا حديث من الاحاديث المزعجة بسبب ما تقذفه في القلب الحي من خوف ورعب وهو ما سماه القرآن الكريم وجلا وإمتدح الوجلين بقوله " الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون " حتى أن الام الكريمة عائشة عليها الرضوان فهمت من الاية معنى آخر بعيدا فقالت له عليه السلام مستعجبة : كيف يجلون بعد ما أتوا ما أتوا من المعاصي فقال عليه السلام مصححا بل هم الذين أتوا الخير والطاعة غير أن خوفهم من الجليل سبحانه جعلهم لا يأمنون مكره ولذلك كان خير ما قال العلماء قديما بأن خير القلوب ما كان كالميزان الثابت المعتدل بين كفتي الخوف والرجاء في آن واحد معا مصداقا لقوله سبحانه " إنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون " وقوله كذلك سبحانه " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " . فهذا من الاحاديث التي تبعث الوجل في القلوب الحية وهو وجل مطلوب لتعتدل كفة ميزان القلوب بين الخوف والرجاء أبدا وليس القلب سوى صناعة رحمانية لابد لها من معدل مقدر من الاملاح والمعادن فهو كذلك مضغة تصيبها التضخمات الدموية والتصلبات في الشرايين والاطباء لها وهو كذلك لطيفة ربانية رحمانية كريمة تستقبل الايمان وتحث على العمل الصالح وتقود غرفة القيادة إلى جانب العقل في جهازنا البشري فإن أنخرمت موازين تلك المعادن والاملاح فيها فإن صيدلية القرآن الكريم ومشفى محمد عليه السلام لها .

    البيان النبوي البليغ يبدع في فن التصوير وتلوين المجاز بالحقيقة وفي ذلك مالا يحصى من دروس الدعوة والبلاغ والاعلام :

    لوتوقفنا عند هذا برهة لعل الحس الفني والبلاغة التصويرية يشداننا إلى الوحي الذي كان من أغراضه الاولية الكبرى يوم نزوله إحداث التحدي الاعجازي ضد من طغوا في شركهم طغيانا رهيبا فلم يمنعهم ذلك من إدعاء النسبة لابراهيم عليه السلام إفتراء لا يساويه سوى إفتراء بني إسرائيل وهو تحد لم يكن صامتا ولا خافتا ولا حييا بل عبر عن نفسه في مواضع صريحة في القرآن وليس ذلك سوى ليعلمهم أن بلوغهم الشأو الاعلى في السحر البياني والبديع البلاغي لا يبرر كفرهم ولا عنادهم فهزمهم من حيث لم يكونوا يحتسبون وتلك في الحقيقة سنة ماضية في الرسالات لم تتوقف ولن تتوقف وهاهي تباشير إستعلاء الحكمة الاسلامية في مجالات العلم الكوني تصعد يوما بعد يوم ولست سوى مملوء يقينا ومفعما ثقة بأن منتهى ذلك هو إحداث الهزيمة بمن إستعبدوا الناس بإسم العلم والتقنية والاختراع والاكتشاف فكان طغيانهم أشد من طغيان قريش ودوما بذات السلاح الذي يزهو به الناس المعاندين لارادته سبحانه تنزل بهم الهزيمة ولكن على أيدي بعض أهلهم أم أنك لم تذكر قوله دوما عنه عليه السلام أنه " من أنفسكم " أو " من أنفسهم " تلك سنة ماضية حسم الرحمان سبحانه بإرادته الماضية أمرها غير أن قدرها المقدور يخضع لقوله " لكل أجل كتاب " فأرقبها في الانفس وفي الافاق وأوص بها البنين والحفدة وأعمل لها وأوص بالعمل بها لمن هم في حقل العلم الكوني .

    وبما أنه عليه السلام عربي قح رتبت له الاقدار الرحمانية كل أسباب العربية القحة من شهامة وكرامة وشجاعة ونجدة وبيئة ولهجة ومرضعة وبادية أوتي جوامع الكلم فإن رضاعته من مشكاة البيان القرآني الساحر الباهر كانت تلون خطابه كيف لا وهو حامل التحدي مبنى ومعنى لا بل كيف لا ولو وجد منه العرب وهم ينحتون لغتهم يومها كما ينحت النجار قطعة من الخشب يشكلها كيف يشاء شيئا يسيرا من الهنة أو زيغانا عن مقتضى البلاغة ولو بقيد أنملة لانهار البناء من أسه وخر من سقفه .

    وفي هذه اللوحة البيانية الجميلة المملوءة روعة ونحن بصددها اليوم مثال بارز على جمال إحتضان المبنى ممشوق القوام لمعنى ينطف سمنا وعسلا وبمثل هذه الجدارة تنتصر الدعوات وتفحم المعاندين وتشرب النفوس معاني الجمال ومعالم الزينة فالافلاس الذي لم يكن يعرف عنه الناس كافرين ومؤمنين سوى جانبه المادي حوله عليه السلام بريشته الادبية الباهرة إلى قيمة معنوية تصيب النفوس والقلوب تماما كما تصيب الاجسام ومظاهر الجمال في ذلك الربط بين الحقيقة والمجاز في لوحته الشاطرة المعروضة أمامنا الان لا تحصى ومنها إيحاؤه عليه السلام بأن دنيا المعاني والارواح محكومة بذات السنن والاسباب التي تحكم دنيا المادة وهو بذلك يضيف للانسان الغافل بعدا أصيلا من أبعاد شخصيته تكريما وتحريرا وتأهيلا لامانة الاستخلاف والتعليم وإن شئت قلت بلغة الاقتصاد اليوم أنه عليه السلام يزاوج بين الحقيقة والمجاز في دنيا المال والاقتصاد ونحن اليوم تشنف أسماعنا وتلون حياتنا بكلمات الافلاس وما في حكمها ولو حدثت قارونا من قوارين زماننا ممن يصلون معنا ربما ويدفنون عن الافلاس القيمي الذي تحدث عنه الرسول الاكرم عليه السلام منذ أربعة عشر قرنا لعدك من المخبولين فالافلاس في قاموسه هو لا يتعدى مجال المال ودنيا الاقتصاد أما الافلاس الديني على فرض وجوده فإن الحديث فيه دوما مؤجل حتى تكون سكرات الموت وغرغراتها وحينها لات حين مناص .

    فبالخلاصة هنا فإن على أدباء الدعوة الاسلامية إنتاج خطاب إسلامي معاصر مملوء بشتى الفنون والاداب وسائر ما يغذي الذوق السليم والفطرة الحليمة والحكمة الكريمة والعاطفة الدفاقة جمعا بين الحقيقة والمجاز الذي ينقسم إلى تسعة عشر صنفا فالعصر هوعصر الاعلام القائم علىحسن العرض وهو عصر الفن القائم على حسن النفاذ إلى شغاف القلوب ورب لوحة أو قطعة فنية في أي مشرب كانت تمثيلا أو أدبا أو شعرا أو نحتا أو عرضا حيا أحيا الله بها القلوب الغافلة الصماء ورب موعظة من دميم اللسان أخرق المعنى نفرت ففر منها المتدينون قبل غيرهم كما يفر الاصحاء من الاجذم فهلا أحسنا العرض لخيرمعروض ؟

    تدبر هذا الدرس من الحديث مليا : مادة الافلاس القيمي القاذفة للمؤمن في النار هي الاعتداء على حقوق الناس من لدن مؤمن :

    دروس الحديث كثيرة ولا شك ولئن أطلت القول في مبناه الساحر فلانه شدني إليه شدا قويا لم يجد قلمي بدا من الاستجابة لنزهة خفيفة بين جنبات حدائقه الغناء ومن ذاق عرف ومن طعم إشتاق كما يقال غير أن أبرز درس في معنى الحديث هو أن المؤمن الذي من المفترض أن يصيب الجنة بإيمانه قد تقذف به بعض معاصيه في النار ولا يهمنا إختلاف العلماء هنا هل يخلد فيها أم لا رغم أن عدم خلود النار أصلا فضلا عمن فيها هو الاكمل برحمته سبحانه التي سبقت غضبه . الدرس الاكبر هنا هو أن تلك المعاصي التي تقذف بالمؤمن لا بغيره في النار تنتمي جميعها إلى مادة حقوق الانسان ولا تنسى أنه مؤمن أتى بصلاة وصيام وزكاة وسائرما يفترضه عليه دينه من أوامر وهل أثقل من الايمان ومن الصلاة والزكاة والصيام والحج في الميزان ؟ فماهو السر الذي جعل مؤمنا كامل الايمان مقيمالسائر العبادات تبتلعه النار بصيغة الطرح فيها أي أنه مهان فوق ذلك ومن يهن الله فما له من مكرم كما قال القرآن الكريم ؟ والجواب البليغ الوحيد ليس هو سوى أن الاعتداء على الانسان نفسا وبدنا ومالا وعرضا مورد لصاحبه المعتدي النار على الرغم من إيمانه وصلاته وصيامه وزكاته وحجه وبالتأكيد على الرغم من كثير من الاعمال الخيرية الاخرى . ولذلك يجوز لنا القول بل يفرض علينا فرضا بإطمئنان كبير بأن أرعى دين لحقوق الانسان أيا كان دينه ولونه مالم يكن ظالما باغيا معتديا هو دين الاسلام وذلك لسبب واضح بسيط مفاده أن العقوبة التي رتبها على المؤمنين قبل غيرهم وعلى الطائعين قبل غيرهم في الاخرة التي هي المستقبل الابدي للانسان ومن لدنه هو سبحانه وهو أشد عذابا هي النار لمن تورط في الاعتداء على الانسان بالضرب أو بالقتل أو بأكل المال أو بالشتم والقذف وهو درس بليغ لابد لكل مسلم ومسلمة ومتدين ومتدينة من تمثله لان الافلاس المالي عبر التضخم أو عبر ثقل المديونيات الذي يخشاه التجار والحكومات والشركات هو ذاته في الجانب المعنوي الذي يدهس الشركات الانسانية بحكم تضخم فهم سقيم في التدين مفاده أن حقوق الناس ليست شيئا أمام حقوق الله سبحانه والاسلام يعلمنا أن العكس تماما هو الصحيح إذ عبر العلماء عن ذلك بقولهم أن حقوق الله مبناها المسامحة أما حقوق الناس فمبناها المشاحة أو بحكم ثقل مديونية عبر عنها عليه السلام بقوله " فإن فنيت حسناته تطرح عليه من سيئاتهم " فهي مديونية قيمية يحكمها ذات القانون الذي يحكم الماديات وهو ما عبر عنه القرآن الكريم بالرهن وهو رهن في الدنيا على أمل أن الانسان يجد ما يعوض به عن مديونيته أما في الاخرة فإن العملة بالحسنات والسيئات . إني أقول في نفسي والله لو أن كل مؤمن تمثل هذا الحديث المزعج وصرع هوى نفسه للعمل بما تيسر منه لاخطأه الافلاس شر مصير يلقاه المؤمن العابد الطائع ولو قصر الناس الذين تصرعهم أهواؤهم في جنب الله سبحانه وكانوا أشد حراسة لحقوق الناس كلهم أن تطأها أيديهم أو ألسنتهم إلا بحق لكان مصيره أفضل من مصير من لم يقصر في حقه سبحانه كمؤمن قام بكل العبادات فلما كان بجانب حقوق الناس وطأها غير مبال .

    هل من طريق لاعادة بناء الميزان التجاري للانسان على أسس تجاوز آثار الافلاس بعد وقوعه ؟:

    قبل الممات كل شئ ممكن غير أن المشكلة معقدة إذ لايعرف الانسان موعدا لاغلاق حسابه الجاري عند ربه فيحتاط لذلك من ناحية وهي أشد تعقيدا من الناحية الثانية بحكم أن العدوان على حقوق الانسان لا تتجاوز آثاره وتمحى مديونياته وتضخماته بسوى غفران أولئك الناس الذين وقع الاعتداء عليهم كفارا كانوا أم مسلمين ولعل أبلغ تعقيد في المسألة من ناحية ثالثة هو موت أولئك الذين كانوا محل إعتداء منك ورغم ذلك فإن باب التوبة مفتوح دوما رغم كثرة الموانع والحواجز في هذه الحالة كما ترى .ذلك أن العدوان علىحقه سبحانه لا يتطلب منك سوى ندما وإستغفارا بينك وبينه ليس لاحد أن يعلم ذلك وبقدر حسن ظنك برحمته يكون عطاؤه لك فالكرة في مضربك أنت لا غير فإن ظنتت به الرحمة كلها والغفران لكل ذنب بينك وبينه جاءك ذلك وعلى قدر ظنك تكون الرحمة والمغفرة .أما كيف تعيد بناء ميزانك التجاري تجاوزا لحالة الافلاس التي أرهقته فالجواب مركب متكون من إستصحاب ذات الاساليب كماأن الذنب بينك وبينه أولا ثم رد الحقوق إلى أهلها إن كانت مادية مالية وكانوا هم أحياء وتسنى لك التعرف عليهم وإن كانت الحقوق معنوية فيكفيك طلب الغفران منهم مباشرة مع تقدير المصلحة في ذلك لعدم ترتب جرم أكبر من الجرم الذي جئت تطلب محوه فلا تخبر زوجا مثلا أنك زنيت بحليلته يوما وقد ستركما الله فإذا كان أصحاب الحقوق قد ماتوا حقيقة أو قدرت المصلحة خلاف طلبك الغفران منه مباشرة فإن الحل يكون إما برد الحقوق المادية المالية لاوليائه وورثته أو برد الحقوق المعنوية له بالتصدق عنه من مالك والاستغفار له وفعل كل ما يقربك في ظنك من تخوم الاستبراء من حقوقه فإن لم تعلم له إسما ولا رسما فيكفيك فعل ذلك وربك سبحانه أعلم به منك ومني وربما من نفسه أيضا وهو يحول مبالغك المالية والمعنوية التي بذلتها بإسمه إلى حسابه . الطريق بعد التورط في حقوق الناس كما ترى معي طويل ومعقد ومحاط بمعوقات لاحصر لها وهي ضريبة من لم يؤمن منذ البداية بأن الاسلام دين حقوق الناس جنبا إلى جنب مع كونه دين حقوق الله لا بل قبل ذلك لو إستثنينا التوحيد فحسب وعرفنا بأن غفار رحمان تواب أما عباده فهم في الغالب أهل مشاحة ومماكسة . فليحذر المبتدئ وليتب المتورط وفق الصيغة المطروحة آنفا في محو حقوق الناس من عنقه وإلا فالنار للمؤمن المصلي المزكي الصائم الحاج فاعل الخير .

    الخلاصة : أمسك لنفسك في بيتك ميزانا لتجارتك مع الله سبحانه وأبق عمود المداخيل أبيض فلن تظلم منه حبة خردل بل ستجد فيه ما لم تفعل بل نويت أو فعل لك ولدك من بعدك أو من علمت أو سننت من الخير أما عمود المصاريف فسجل فيه مع مغرب كل شمس أو أفول كل شفق بشح وعسر حساب سائر المديونيات التي أصبتها في حق الناس ثم أرسمها أولويات على جدول أعمالك لليوم الموالي وبادر بقضائها لاصحابها مالا أو إستغفارا وبذلك تتجنب الافلاس الديني إن كنت مبتدئا وإن كنت مثلي مسنا متورطا في حقوق الناس طاعنا في كرائمهم عرضا فتعال نؤسس مشروع العمر نسميه مشروع جدولة الديون أو التحلل منها فلا أقل من أن نموت بعد العدوان على توبة.

     
  3. #43
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4388

    افتراضي رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة

    الحلقة الثالثة والاربعون

    أخرج البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير أنه عليه السلام قال " مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم إستهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا إستقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ".
    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ

    موضوعه : الارض التي حولتها ثورات الاتصال إلى حجرة صغيرة هي سفينة تقل 6 مليارات:

    عود آخر مرة أخرى إلى موضوع البلاغة النبوية في حسن التصوير الفني الكفيل بحسن عرض البضاعة الاسلامية مرغب جلاب مبنى ومعنى وإنه مما يوحى إلي من مثل هذه اللوحة النبوية الجميلة وغيرها كثير أن الدعوة الاسلامية المعاصرة مطالبة بتخير الفنون الجميلة التي تحمل رسالتها إلى الناس بيضاء ناصعة تلبي سائر نداءات فطرتهم وليست العقلية فحسب والتي تكفل بها القرآن الكريم وهو يخاطب العقل الانساني العالمي في كل زمان ومكان وحال فلا يلفى سوى الاستجابة سواء مشى خلفها القلب فكانت طاعة أو جحد بها بعد إستيقان فكانت كفرا وإنما عرضا دعويا فنيا جميلا بسائر ألوان التعبير الذوقي الخلاب يلبي داعيات العاطفة والروح والجسد وسائر مكونات الانسان المتكامل ففن البلاغة القرآنية والنبوية التي سحرت عتاة الشرك ودهاقنة الظلم في عقر دارهم وعقر دارهم هي ناصيات البلاغة وفرسان البيان لكفيل كفالة أمر في حقنا وليس كفالة إستحباب بتكرار فعل الهداية الانسانية شريطة التوسل إلى ذلك بلغات الناس أجمعين وليس ترجمات جامدة ميتة بل فنونا معاصرة جميلة أما دون ذلك فلا ينطبق علينا سوى قولة القائل " علىمن تقرأ زبورك يا داوود ".

    النبي الاكرم عليه السلام أول من قرر أصالة وضرورة الاجتماع الانساني العالمي ومقتضياته:

    ربما لا يكون ذلك مثيرا بالنسبة لنا اليوم والارض تزدحم بنا عددا فاق ستة من المليارات فضلاعن ملايين مملينة من الملل والنحل والاعراف والتقاليد ناهيك أن حتى صيحات الموضة في أدق تفاصيل الحياة البشرية خصوصية أرهقت الناس بعدما وصل هديرها الساحر إلى أدغال كنا نخالها قبل ذلك موطن الذئاب والسباع المفترسة لفرط قحطها ومرارة جدبها . ولو أرجعت هذا الفقه النبوي العظيم للحياة البشرية إلى مكانه وزمانه وحاله في الجزيرة العربية وما حولها لالفيت ثورة بليغة الاصلاح في دنيا الفكر والثقافة والحضارة فالمخاطبون يومها لا يجتمع أغلبهم سوى مرة واحدة في السنة بمناسبة سوق عكاظ ومهما كانت إجتماعاتهم وإتصالاتهم صاخبة ومدوية فلن تتجاوز بضع مئات أو آلاف وقساوة المناخ الطبيعي وإنصراف الناس إلى شؤونهم القبلية وقيام حضارتهم على تواصل بدائي وغير ذلك كثير كلها عوامل تجعل من هذا النداء النبوي ضربا من التشريع المحكم لهم وبخاصة لمن سيعمر الارض بعدهم تعميرا يحول الدنيا بأسرها إلى مجرد حجرة صغيرة ضيقة بفعل ثورات ثمان في حياتنا اليوم ربما أقواها على الاطلاق ثورة الاتصالات التي لن تزال تسجل تطورات متقدمة لا تخطر لنا على بال . وبإختصار شديد فإني مملوء شعورا بأن هذا النداء النبوي موجه إلينا نحن اليوم لفرط حاجتنا إليه في حالة غير مسبوقة من سرعة التأثير والتأثر بين الناس جميعا في دنيا القيم وعالم المادة على حد سواء وحالة عمرانية شهدت تكدس الناس في المدن والعواصم على غير مثال سابق ولا تجد اليوم عاصمة لبلاد وخاصة في دنيا العرب والمسلمين لا تستحوذ على ما بين الخمس والعشر من السكان وهو زمان شهد تقاربا مريعا حتى أن الزلزال الاخير في جنوب شرق آسيا في أيامنا هذه هدد بتغيرات كبيرة في خارطة الارض وأصابت أثاره القارة الافريقية التي تبعد عليه آلافا مؤلفة من الاميال . فلا شك إذن أننا بملياراتنا الستة نمتطي صهوة سفينة صغيرة واحدة تمخر بنا عباب الكون لانعرف إتجاه سيرها سوى أن ربك سبحانه جعل لها ولنا معها أجلا لا ريب فيه وملياراتنا الستة تزداد يوما بعد يوم وتقاربنا يقطع مسافات لا قبل لنا بها والسفينة بذلك تصغر يوما بعد يوم ولوإقتربنا من عالم التصوير الساخر لقلنا بأنه أوشك زمان يصطلي فيه بحر نار موقدة في شمال أمريكا طالب للدفء قابع في جنوب اليمن.

    أمراض معدية تهدد سفينتنا اليوم بالهلاك :

    قبل المرور إلى ذلك ألمس برد المعاني الغزيرة من هذا الحديث تنقدح في ذهني في إزدحام شديد ومنها أنه عليه السلام ينبه إلى أن البشرية في حالة سفر دائم من خلال إستخدامه لمثال السفينة وهو سفر بعد ذلك محدق بأخطار الغرق وهل من خطر يتهدد راكب البحر سوى الغرق ومنها كذلك أن الناس فيها مختلفون متعددون متنوعون وذلك من خلال كونهم على متنها بعضهم فوق بعض وكذلك من خلال كونهم منهم العقلاء ومنهم السفهاء الذين لا ينظرون إلى مستقبل السفينة بأسرها وراكبيها حال جلبهم للماء ولسائر مصالحهم .

    داء الارهاب الدولي : وذلك من خلال ما تمارسه أمريكا وإسرائيل ترغيبا وترهيبا ضد كل من لا ينخرط في سياساتهما التي إنما تقوم على عقدة الحروب التي أسموها هم صليبية حتى وصل الحد إلى تجميد عشرات من كبرى المنظمات الاغاثية الخيرية في السعودية وغيرها وبذلك يزداد الفقراء فقرا وتتعمق الهوة بين جنبتي السفينة الصغيرة الواحدة وكذلك إلى حد الارساليات الرسمية المحققة في مدى ملاءمة التشريعات الاسلامية والتربية الدينية في المؤسسات التعليمية للتوجه الصليبي الصهيوني تجفيفا لمنابع الحرية والتدين والاغاثة واليوم يسأل كبار التجار عن مآل زكواتهم أما عن محض صدقاتهم فلا تسأل .

    داء العولمة : وهي عولمة يفرضها المنتصر بقوة الحديد والنار علىمدى النصف الثاني من القرن الميلادي المنصرم ومخها هو إتاحة الفرصة أمام الثقافة الغازية بعجرها وبجرها وحلوها ومرها لتحطيم دفاعات الخصوصيات الانسانية لسائر الشعوب والامم وخاصة الاسلامية منها وهي عملية دولية يسخر لها الاقتصاد ومؤسساته ومنها معاهدة التجارة الحرة والاستراتيجيا العسكرية ومعاهداتها ومنها توسيع دائرتي الناتو في إتجاه المسلمين في الجمهوريات السوفياتية المستقلة وفي حوض المتوسط .

    مهمة مقاومة أسباب هلاك السفينة هي مهمة المسلمين تعاونا مع كل الاحرار المسالمين :

    بقدر تصاغر السفينة وتكاثر أهلها بحكم الثورات العلمية وخاصة ثورة الاتصالات تكون أصداء أسباب الهلاك فيها عظيمة مؤثرة وهذا اليوم لا يحتاج إلى دليل ومما قرره العلماء أن رحمة الله سبحانه تكون خاصة بالمؤمنين أما غضبه وإهلاكه للناس فيصيب المؤمنين والكافرين والظالمين علىحد سواء تماما كما وقع أو سيقع لغزاة الكعبة في حديث عائشة عليها الرضوان ويوم يعرضون عليه سبحانه يوفى كل هالك حظه غير منقوص . وإذا كانت مقاومة الفساد في كل سفينة من لدن ركابها جميعا إنجاء لانفسهم لا لغيرهم فطرة توجبها غريزة حب البقاء فإن الاسلام لم يكتف بذلك بل عد الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة مفروضة إلى جانب الصلاة والصيام والزكاة والحج ورتب على بني إسرائيل الهلاك بسبب تأخرهم عنه " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه " بل وصل الامر خطورة إلى حد قوله عليه السلام " لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم عذابا ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم " أما قولنا أن المسلمين أولى بحفظ أسباب نجاة السفينة من كل هلاك مادي أو معنوي فلتوفرهم على الدواء الشافي لكل أسباب الهلاك ضمن منهجهم الاسلامي وليس لهم سوى الارتقاء إلى درجة الاطباء والصيادلة أما قولنا أن عليهم التعاون مع غيرهم من الاحرار المسالمين من ركاب السفنية الصغيرة الواحدة فلان هؤلاء كثر عددا وعدة وما يجمعنا بهم أكثر من أن يحصى ومنه إستهداف الطاحونة الصليبية الصهيونية اليوم لسائر ركاب السفنية بالجملة في حملة فرعونية جديدة والمؤمن والكافر المسالم في حالة الدفاع هذه عن السفينة الانسانية الوحيدة الصغيرة إخوة في الانسانية وفي رسالة الدفاع عن الوجود وتقرير مصير السفينة ضد الظالم حتى لو كان من أعبد المسلمين أو من أوفى الكافرين يدا بيضاء على الناس إختراعا وإكتشافا وسبب سعادة بدنية فإن ظن المسلمون اليوم أنهم يقاومون الطغيان العالمي دون عزير من غيرهم فإن المعركة خاسرة .

    الخلاصة هي إذن أن الناس بأسرهم اليوم وغدا بحكم القضاء الالهي في حركة سفر دائم على ظهر سفينة صغيرة وحيدة لا يسع أهل الخير فيهم سوى مقاومة كل محاولة فساد تعرض السفينة بأسرها وبمن فيها للغرق والعذاب والمسلمون أول المستامنين على سلامة السفينة بركابها والمتعاونون معهم من غيرهم كثر وذلك هو معنى الجهاد الاصيل : السعي لخير الناس عامة .

     
  4. #44
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4388

    افتراضي رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة

    الحلقة الرابعة والاربعون

    أخرج البخاري عن المغيرة بن شعبة أنه عليه السلام قال " لايزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" وفي رواية معاوية " لايزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لايضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك ".
    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ

    موضوعه : الصحوة الاسلامية قدر الامة وملح قصعتها ومحرار الخير فيها وجند الرباط ضد الغزاة : ثمة بضعة ثوابت في حياتنا الاسلامية ما ينبغي الغفلة عنها يوما لا تمثلا عقليا ولا تشربا نفسيا ولا تحريكا للارادة وهي محل تواص دائم مستمر لا ينضب بيننا جميعا لانصلح بغيرها ولا بغير التواصي بها وهي بعد توحيده سبحانه وبعد تكريم الانسان بأمره سبحانه : أن الامة واحدة في قواطعها العظمى فكرا وممارسة متنوعة في ما دون ذلك وأن الامة لا تموت أبدا طال ما طال بها المرض وإدلهمت ما إدلهمت في وجهها الخطوب لانها إرادته سبحانه التي يعدل بها سننه وأسبابه وأقداره في الارض وإرادة الله سبحانه لا تموت وأن الامة هي خير الامم وهي خيرية مشروطة من ناحية بالقيام الجماعي على ثوابت ثلاث وهي الايمان والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي خيرية إنسانية عالمية عامة لا تفوح منها رائحة القومية النتنة لانها خيرية أمة لاتقصر الهداية على نفسها بل تجعل من المسرح البشري والكوني بأسره حقل عمل لها وتلك هي إحدى أكبر عوامل الدفاعات الذاتية الحية التي تكفل للامة حياتها حتى حال المرض الوبيل وخيريتها حتى حال الانحطاط وعالميتها حتى حال الاحتلال والاذلال . تلك هي إذن ثلاثة ثوابت عظمى متعلقة بالامة لابد من العض عليها بنواجذ النواجذ وهي : وحدة الامة وحياتها الدائمة وخيريتها الانسانية العالمية . وهي ثوابت يقينية مطلقة محكومة بثابتين كبيرين وهما : التوحيد له سبحانه والتكريم لعبده في الارض وما من مخلوق إلا وهو له عبد .

    ماهو سر عدم موت الامة رغم الضربات القاسية جدا من الداخل ومن الخارج على مدى القرون؟
    بعض الناس سيما من الشباب المبتدئ في التدين تذهب به الحرقة على حاضر الاسلام ومستقبل الامة مذاهب بعيدة يفارق التوازن فيها ويجانب الاعتدال وهذا صنف لا خلاف في صفاء طويته وسلامة قلبه وحياة إيمانه غير أن الجهاز الانساني لا يقوده القلب المفعم بالحب فحسب دون عقل مؤهل لحسن التعامل على المحيط والتاريخ وكثيرا ما يحضر القلب ويغيب العقل والله سبحانه قضى في محكم تنزيله أن الانسان لا يصلح بغير حضورهما معا في غرفة القيادة كرباني سفينة تمخر عباب الامواج العاتية . ولو نظر هؤلاء في تاريخ الامة الذي تناوله القرآن بإطناب من خلال القصص الغزوي فضلا عن القصص النبوي العام الذي يهم أمة التوحيد عامة من لدن آدم عليه السلام لالفوا أن الامة تعرضت لمحن وشدائد أكبر مما تتعرض لها اليوم رغم أن كل ذلك ضمن سياقاته المعروفة التي ما ينبغي على كل دارس حصيف منصف إغفالها ولكن الدرس الباقي بعد كل ذلك ليس هو سوى أن الامة التي نجت يوم بدر ويوم أحد ويوم الخندق ويوم الحديبية ويوم بغداد يوم هجوم التتار الذين عاثوا فيها فسادا وهي العاصمة العباسية حتى تغيرت مياه دجلة لفرط ما ألقي فيها من كتب ومجلدات .. لا يستعصي عليها بإذنه سبحانه النجاء من الهجمة الصليبية الصهيونية الراهنة كيف لا والامة إزدادت قوة بعددها وعدتها وصحوتها فعلت حركات ومؤسسات وقيادات وكتائب جهاد ومقاومة وفكرا وثقافة وعلوما ومعارف يساهم اليوم فيها المسلمون في الصف الاول وأحيانا كثيرة في صف القيادة لا بل كيف لا وما إحتل العدو اليوم وطنا إلا وأخرج منه صاغرا يجر أذيال الخيبة من أفغانستان إلى الشيشان إلى كشمير إلى فلسطين والعراق وما بقي محتلا ليس سوى لترتيب إراقة ماء وجه داعر شوهته الظلمات لا بل كيف لا والصحوة المعاصرة صرعت الاستبداد في أكثر من بلاد وتاخمت أبواب السلطة ونالتها فمن أفغانستان إلى إيران إلى السوادان إلى تركيا وهي تشارك اليوم في أكثر من حكم فمن الكويت إلى لبنان إلى ماليزيا إلى الجزائر والمغرب ومصر وبلدان أخرى كثيرة لا بل كيف لا وهي اليوم أمل الشعوب حقيقة لا رجاء فقل لي بربك في أي موقع من الكرة الارضية لم يقبل الناس على تزكية الصحوة بسائر مشاربها ومبانيها سواء محليا وبلديا أو ولائيا وجهويا أو برلمانيا بنسب عالية لا بل كيف لا ولم يحشر الصوت الشيوعي والمادي والعلماني يوما منذ قرن كامل في أضيق زاوية حتى إنسلخ عن إسمه وجلده في أحيان كثيرة إلا بعد صعود الصحوة والحقيقة أنه لو تماديت في تسجيل إنجازات الصحوة المعاصرة لحبرت مجلدات وأفنيت آبار مداد وما بلغت عشر معشار ذلك ولا يعني ذلك عدم تعلق السلبيات بها بل هي أحيانا قاتلة مؤذية ثقيلة ولكن العبرة بالميزان الختامي عند كل تقويم منصف حصيف وأختم ذلك بالقول بأن سر الاسرار وراء الهجمة الراهنة ليس هو سوى تنامي الصحوة إلى حد تهديدها للتوازنات الدولية القائمة ولم تكن الصحوة وما ينبغي لها أن تكون عامل تهديد لاستقرار قائم على العدل والحرية .

    هذه دفاعات الاسلام الحية ضد كل داء عضال فأحفظوها في أنفسكم أما فيه هو فهي محفوطة:
    ــ الاسلام إرادة الله سبحانه يقيض له المسلمين يفحفظونه بإذنه فلا جزع عليه أبدا .
    ــ إنبناء عقيدته رغم غيبيتها على الوضوح واليسر والبرهنة العلمية وملاءمة الفطرة والسنن .
    ــ إنبناء شريعته بإجمالها وتفاصيلها على العلية والمقصدية والعقلانية واليسر ومصلحة الانسان.
    ــ إنبناء منهجه العام تفكيرا وتغييرا على الوسطية التي هي مظنة كل صواب وحق .
    ــ إنبناء دعوته على التبشير والواقعية والعالمية والانسانية وضمان السعادة والدفء المفقودين.
    ــ إنبناء خلقه على الرحمة الكفيلة بتأليف كل القلوب مهما كانت متنافرة أو قاسية غليظة .
    ــ قدرته العجيبة على التسلل إلى الناس في وقت عصيب وسريع بحركة أخلاقية بسيطة صغيرة .
    ــ قدرته العجيبة على الجمع بين كل الثنائيات التي يظنها الناس أضدادا كالدين والدنيا.
    ــ قدرته العجيبة على صناعة الانسان من سجين لذة إلى شهيد حر يقتل نفسه بيده أملا في الجنة .
    ــ قدرته العجيبة على تأمين أشد حاجات الناس في الحرية والعدل والامن النفسي والتآخي .

    تحرير القول في الظهور والطائفية وإنتفاء الضر بالخذلان والمخالفة وإتيان أمر الله : الظهور هنا ليس معناه تحقق النصر المادي الكامل على سائر الاعداء ولكن معناه هو ظهور الدين بسائر رموزه ومؤسساته وعباداته أو بماتيسر منها فكرا وسلوكا ظهورا يستعصي على محاولات الاستئصال ولك أن تسأل اليوم هل نمت حركات البذل المالي والتوحد الاسلامي والمقاومة المسلحة لما صعدت أمريكا من حملتها ضدها أم إستجابت ولو مكرهة للمكر فتدنت والجواب أمامك مبسوط ومن حولك مبثوث . وهو ظهور لا يهون لانه صمام الامن الحامي لاخر قلاع الاسلام والصائن لاخر حصونه فلا أمل لعدو فيها يوما وما حصل بعده مكاسب تجنى لرساميل ثابتة غير مبددة . أما الطائفية التي عبر عنها الحديث في روايات أخرى بقوله " طائفة " بدل " أمة " هنا فمعناها أن تلك الطائفة هي أمة من الامة وأن الامة هي كل من تلك الاجزاء الصغيرة فالعلاقة ما ينبغي لضمان الظهور والخيرية أن تكون عدائية بين أمة أو طائفة صغيرة أو كبيرة تقوم على أمر الله وبين أمها الاصيلة الاصلية الكبرى أي أمة الاسلام وإلا إنتفت معاني ظهور هذه وخيرية تلك فالتبعيض اللغوي هنا يبسط معناه الروحي على العلاقة الحميمية بين الام وسائر طوائفها ومظاهر الصحوة فيها وهي لا تحصى ولا تنجمع في مجمع واحد وعنصر قوتها الاكبر هو تعددها وتنوعها وإختلافها .أما إنتفاء الضرفهو معنى أكد عليه القرآن كثيرا ومعناه أن الضر الكفيل بإستئصال الشأفة محوا للوجود لا وجود له وخاصة من خلال الهجوم الخارجي فهو على فرض وجوده من خلال إتساع الخرق الداخلي وتمزق الصفوف وحتى في هذه الحالة فهو غير موجود إذ إستبدله سبحانه بإستبدال أمة بأمة أما الامة كيانا ودينا ووجودا فلا تنقرض أبدا على أن حصول الاذى وهو دون الضرضربة لازب علىكل جهاد ومقاومة . أما إتيان أمره سبحانه فمعناه إما يوم القيامة وإما أمر نصره ولو جزئيا بجعل الغد خيرا من الامس .

    فالخلاصة هي إذن أن هذا الحديث يثبت بعض ثوابتنا المتعلقة بالامة وهي بعد التوحيد لله والتكريم للانسان وحدتها وحياتها وخيريتها ويبشر بالصحوة بعد كل وهدة ويعلمنا أن الاسلام يحوي في جهازه الداخلي دفاعاته الخاصة به تحول دون إلغائه أبدا وهي دفاعات مطلوب منا التسلح بها في معركتنا المعاصرة لتثبيت الوجود وإعلان التجديد فهو حديث بشارة كفيل بدهس بائسات اليأس وواقعنا المعاصر رغم الجراحات ناطق حي صريح بنبوءات الحديث .

     
  5. #45
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4388

    افتراضي رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة

    الحلقة الخامسة والاربعون

    أخرج أبوداود والبيهقي والحاكم عن أبي هريرة عليه الرضوان أنه عليه السلام قال " إن الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ".
    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ

    شواهده كل الايات المحرضة على الاحسان وتقلد مواقع الامامة .

    موضوعه : تجديد التدين فريضة وهو شرط لحماية الوجود وهو في الخطاب القرآني إحسان :

    في بعض الروايات نجد كلمة " تدينها " بدل " دينها " وهو خلاف لفظي لا يؤثر على المعنى وذلك على معنى أن الدين في أسسه العظمى الثابتة لا يأتي عليها التجديد إلا بمعنى إحسان الفهم والعمل سواء بما يتناسب مع المتغيرات نشدانا للتوسع الكمي أو بما يلبي حاجات الضرورة الفردية والجماعية للناس وكذلك على معنى أن الدين في ظنياته وسائر حقوله القابلة لتعدد الافهام تتجدد شعبه كثرة تبعا لحاجات الناس ويتوالد بعضها من بعض مشدودة إلى أصلها الاصيل كما تتجدد تقديما لفهم مناسب لعصردون آخر أو لقوم دون آخرين . فسواء إعتمدنا لفظ الدين أو التدين فإن النتيجة واحدة هنا وفق ما سلف من المعاني وغيرها كثير إذ من معاني الدين النص الثابت وهو المعنى العلمي المجرد ومن معانيه كذلك التطبيق العملي تفاعلا مع ذلك النص الثابت .

    من العلماء كذلك من جادل في مسألة المائوية هنا هل هي للحقيقة أم للتعبير عن الكثرة وهو أمر محتمل يؤيده دأب القرآن خاصة دون السنة على مثل ذلك الاستخدام العددي الدال على الكثرة لا على الحقيقة غير أن معنى الحقيقة هنا أرجح وأوفى والله أعلم ناهيك أن كثيرا من العلماء رتبوا على ذلك أسماء من المصلحين والمجددين على رأس كل مائة سنة فمنهم الخليفة الراشد الخامس عمر ومنهم في زماننا المعاصر الامام الشهيد البنا و ذلك بطبيعة الحال من باب الاجتهاد .

    ومن العلماء كذلك من حمل حرف " من " وهو إسم موصول على الجماعة والعربية تتسع لذلك ولا ريب وذلك بدل أن يكون المجدد شخصا واحدا ومنهم من قال بتعدد أوجه التجديد الديني فيشترك فيه زمرة كبيرة أو صغيرة من المصلحين كل فيما يليه وليس من شرط ذلك إتفاقا مسبقا . وفي بعض الروايات " أمر دينها " أو " أمر تدينها " وينسحب عليها ما ينسحب على ما سلف من إستواء النتيجة سواء كان المجدد الدين أو التدين وسواء كان المجدد أمر الدين أو أمر التدين .

    البعث الالهي لحركة التجديد الاسلامي معنيان : نفاذ الارادة الرحمانية والتكليف الانساني بذلك :

    كثير من الناس يخطؤون في فهم الامور التي يعبر عنها سبحانه بالنسبة إليه كماهوالحال في قوله في سورة الانفاق عقب غزوة بدر " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " وهو خطأ منشؤه الخلط بين ما أسماه إبن تيميه وغيره عليهم الرحمة جميعا الارادة الكونية أو المشيئة الالهية وبين الارادة القدرية أي بين القضاء وبين القدر وهوخلط منشؤه كذلك قصور في فهم دور الانسان حيال إرادة ربه سبحانه والخلاصة السريعة المكثفة المركزة في ذلك ليست هي سوى أن الانسان منفذ لارادة ربه سبحانه في حال طاعته وعصيانه علىحد سواء وليس هنا مجال لبسط الفهم الصحيح لضيق الحيز . ولو سحبنا ذلك على هذا البعث الالهي الذي وعد به ربنا سبحانه منة للامة لقلنا بإطمئنان كبير بأن ذلك يعني أمرين لا ثالث لهما أولهما أن ذلك البعث الذي قضته إرادته سبحانه تنفيذ لمشيئته ولا راد لمشيئته ولو توسعنا قليلا لقلنا بأن ذلك من مقتضيات ثوابت الامة الثلاث التي تحدثنا عليها في الحلقة الفارطة من هذه السلسلة وهي الحياة والوحدة والخيرية ولتحقيق تلك الثوابت الثلاث للامة لابد من رعايتها إلهيا أما المعنى الثاني لذلك البعث الالهي لحركة التجديد الاسلامي فهو أن الناس المستجيبين لرسالة الاسلام مكلفون بمقتضى قدر ذلك القضاء الالهي في البعث التجديدي للامة بترجمة ذلك عمليا لذلك قلت هو فرض وليس مستحبا وهو فرض عين قبل أن يكون كفاية وذلك على معنى أن كل مسلم مكلف بالاحسان بعد الايمان وبعد الاسلام وليس الاحسان سوى التعبير القرآني لكلمة التجديد النبوية وذلك هو أول معاني التجديد أي ملامسة الاحسان الذي كتبه الله على كل شئ كما أخبر الصادق المصدوق في الحديث الصحيح ولم يضرب مثل الذبح سوى لكثرة ما يرد فيه من مجانبة للاحسان بإعتبار أن المفعول به هنا عجماء أما أصل الحديث فهو " أن الله كتب الاحسان على كل شئ " . فالمؤمن بقلبه المسلم بجارحته مكلف بتمثل الاحسان في إيمانه وفي إسلامه بقدر الوسع فهما وعملا إحسانا ماديا ومعنويا وكميا وكيفيا ومعنى ذلك أن التجديد أي الاحسان بخطاب القرآن فرض عين على كل مسلم . فإذا ما تعلق الامر بالامة بأسرها فإن تلك الفريضة تكون أشد فرضية لان الاحسان أي التجديد بالخطاب النبوي كلما كان متعلقا بالنوائب الكبرى والتحديات العظمى للانسانية وبخاصة لامة الاسلام كانت مقاربته أشد فرضية لان تجنبه يعرض الامة بأسرها للعنت والمشقة ومعلوم أن مصلحة الامة مقدمة على مصلحة الافراد فلا ضير من قولنا إذن أن التجديد الاسلامي بسائر مظاهره ومعانية بقدر الوسع فرض عين على كل مسلم وفرض كفاية على الامة بأسرها وهي كفاية لا يحسن سوى إعادة التذكير بأهم جنبات معانيها وهي أن فرض الكفاية مطلقا يأثم الكل لو تقاعس عنه الكل ولا يأثم سوى أصحابه في تلك الحال وإثم الكل مبرره أن من لم يكن بوسعه القيام به كان يسعه التحريض عليه والتيسير له والحقيقة أن أمتنا سيما في العصور الاخيرة وخاصة قبل إنبلاج فجر الصحوة أي قبل حوالي ثلاثة قرون تضررت كثيرا من سوء فهم الناس فهما صحيحا لمسألة واجب أو فريضة الكفاية إذ ظن الناس أن فرض الكفاية لا يعنيه فوقع التفريط من الغالبية العظمى فأثم الكل ولو دون وعي أو قصد والان حان أوان التصحيح فأول خطوات التجديد الاسلامي إحسان الفهم . لابل إن إرتباط مثل هذه المعاني كمسألة التجديد الاسلامي مثلا بالارادة الالهية مباشرة قبل الارادة الشرعية مؤذن بثقل تلك الفرائض وذلك قياسا على أمره سبحانه نبيه وليس الناس بعدم العدوان في الطلاق في أول آيات سورة الطلاق .

    مطلب التجديد مطلب إسلامي أصيل لا ينقص قدره أن أغمض عبيد التقليد فيه : ماالذي جعل الناس يقرؤون ألف مرة ومرة الحديث الصحيح " ألا إن الايمان يبلى كما يبلى الثوب فجددوا إيمانكم بملاقاة بعضكم بعضا " أو " بقول لاإله إلا الله " ثم لا يثبتون التجديد الاسلامي قيمة ثابتة في الفهم الاسلامي ومثلا دائبا في العمل الاسلامي ؟ وما الذي يجعلهم بعد أن أمروا بالتجديد حتى في أول الحقول أي رساميل الانسان التاجر المضارب في الدنيا كدحا إلى الله يفرون إلى التقليد ؟ وإذا كان الايمان يتجدد وإلامات أو قاد إلى الظلم والجور فما الذي يند عن التجديد ؟ وإنا اليوم حيال التجديد نواجه قوتين كبيرتين عتيدتين وهما قوة المروق من الدين بإسم التجديد من لدن إنتحال المبطلين والمهزومين وقوة التقليد الاسن والتدين الفردي والتخلف عن التصدي لقضايا الانسان الكبرى كالعدل والتحرر وهما أكبر معوقات التجديد الاسلامي المطلوب منا شرعا وعقلا وضرورة ولا يقوم بذلك سوى أهل الوسطية الاسلامية القائمة على الجمع بين النقل والعقل والدين والدنيا والايمان والقوة والفردية والاخوة والرضى والنقد والالوهية والانسان .

    أكبر الحقول المحتاجة إلى التجديد الاسلامي المعاصر :

    ــ تجديد الايمان فرديا وجماعيا عبر الجمع بين العقل والقلب والعلم والدين تجديد فهم وعمل .

    ــ تجديد الفهم للاسلام فرديا وجماعيا عبر تثبيت الثوابت في النفوس والواقع .
    ــ تجديد الفهم للسنن والاسباب فرديا وجماعيا عبر تثبيت قوانين العلية والمقاصدية .

    ــ تجديد الفهم لسنة الزوجية والتعدد والتنوع والاختلاف خدمة لوحدانيته سبحانه وفسحا للتعدد.

    ــ تجديد الفهم لكرامة الانسان ذكرا وأنثى كثابت ثان مباشرة بعد التوحيد له سبحانه .
    ــ تجديد الفهم لمنزلة المرأة في الحياة دينا ودنيا على أساس ثابت التكريم وثابت المسؤولية .
    ــ تجديد الفهم للاخوة الانسانية عامة وللاخوة الاسلامية خاصة على أسس التعارف والتعاون .
    ــ تجديد الفهم للثوابت المتعلقة بالامة وحدة وخيرية وحياة وتنظيم المؤسسات الحاضنة لذلك .
    ــ تجديد الفهم لمنزلة الكسب المادي والغنى المالي في حياة الناس والمسلمين على أسس التوازن.
    ــ تجديد الفهم لمنزلة الاسرة وقضاياها التربوية ومسؤولياتها حيال الطفولة والشباب والدعوة .
    ــ تجديد الفهم للوسطية الاسلامية المنشودة الكفيلة بالشهود على الناس والادنى للحق دوما .
    ــ تجديد الفهم للمحيط وللتاريخ وخاصة تراثنا وتراث البشرية ومحيطنا ومحيط البشرية .

    ــ تجديد الفهم لفريضة الدعوة والامربالمعروف والنهي عن المنكر ولقضايا الصحوة والحركة .

    ــ تجديد الفهم لقضايا العلم الكوني والتعمير المادي تحريرا للعقل وتكريما للنفس والبدن .
    ــ تجديد الفهم لقضايا الفنون الجميلة وإحسان العرض الحياتي والدعوي وتربية الذوق .
    ــ تجديد الفهم لقضايا الجهاد والمقاومة والوطنية الاسلامية ومسائل التغيير الاجتماعي .

    فالخلاصة هي إذن أن التجديد الاسلامي فريضة شرعية وضرورة حضارية لاغنى عنها لتثبيت أركان الوجود الاسلامي في النفوس وفي الواقع ولتحقيق فريضة الشهود على الناس ولاحسان العرض الدعوي على العالمين تنفيذا لارادته سبحانه وتوحيدا للامة وتحقيقا لخيريتها وحياتها.

     

 
+ الرد على الموضوع
صفحة 9 من 21 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 19 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك